هل يمثل الدستور المصرى القادم كل المصريين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية والاجتماعية والجغرافية أم أنه يمثل تيارًا سياسيّا واحدًا؟ وهل كان تفسير البرلمان ومجلس الشورى للمادة 60 من الإعلان الدستورى صحيحًا عندما قرر أنه قد أناط بالمجلسين فى اجتماعهما المشترك انتخاب الجمعية التأسيسية وفقًا للنتيجة النهائية التى تحققت بتخصيص %50 من المقاعد إلى الأعضاء من المجلسين و%50 لجموع الشعب المصرى.
هذه الأسئلة مطروحة الآن على الشعب المصرى للإجابة عنها بعد أن قرر حزب الأكثرية بالمجلسين أن ينفرد بوضع الدستور وضمان أغلبية مريحة فى لجنة وضع الدستور تضمن الهيمنة الكاملة على عملية الصياغة لمواده وإقصاء كل القوى السياسية أو تهميشها داخل اللجنة وتمثيلها رمزيّا وبما يغل يدها عن أى قدر من التأثير عليه، ويعرف القانونيون وفقهاء الدستور أن السلطة التأسيسية يتم انتخابها على معايير تحدد نسبًا محددة تعكس تنوع القوى السياسية والانتخابية والفئات المختلفة فى المجتمع، وعلى قاعدة المساواة والتمثيل العادل وليس وفقًا لقواعد الأقلية والأغلبية، وإلا لصدرت كل الدساتير تعبر عن أغلبية محددة، وكذلك يؤدى هذا إلى عدم استقرار الدولة نتيجة أن الأغلبية المتغيرة تغير الدستور ويمكن أن نحدد المخاطر المترتبة على هذا القرار الصادر عن المجلسين على النحو التالى: أولها: أن اختيار مجلس الشعب لأعضاء الجمعية التأسيسية من بين أعضائه لو تم فسيحدث نوعًا من انفراد سلطة واحدة من السلطات الثلاث التى تقوم عليها الدولة بعضوية هذه الجمعية التأسيسية دون غيرها من باقى السلطات. ثانيها: أن هذا الانفراد يعد بمثابة خطر حقيقى فى حالة حل مجلسى الشعب والشورى بسبب شبهة عدم دستورية قانون إنشائه طبقًا للحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 6411 لسنة 58ق بإحالة بعض مواد قانون مجلس الشعب للمحكمة الدستورية بعد أن رأت شبهة عدم الدستورية. ثالثًا: انفراد أغلبية من أعضاء حزب من الأحزاب المسيطرة على البرلمان بعضوية هذه الجمعية كما حدث عند تشكيل لجان مجلس الشعب واستحواذها على معظم تلك اللجان، وقد تكون توجهاتهم نحو دستور يكون فيه نظام الدولة نظامًا برلمانيّا مخالفًا للنظام المعمول به بالبلاد ورغبة مواطنيه. رابعًا: إن هذا الانفراد قد يحدث تهديدًا للتوازن المطالب به عند تشكيل تلك الجمعية التأسيسية واستحواذ فئة معينة عليها.
والحقيقة المعروفة للجميع أن الثورة قامت بمشاركة أغلب القيادات السياسية والقوى الاجتماعية وساهمت فى إسقاط النظام ورفعت شعاراتها التى تريد أن تراها فى الدستور الجديد، ومع كل التقدير للأغلبية البرلمانية، وبصرف النظر عن أى ملاحظات على الانتخابات السابقة وما شابها من تجاوزات وانتهاكات قد تؤدى إلى إلغاء نتيجة الانتخابات سواء من المحكمة الدستورية العليا أو بأحكام القضاء الإدارى والإدارية العليا، لذلك فإن الكرة الآن فى ملعب القوى السياسية والأحزاب التى تم إقصاؤها.
الموقف المطلوب هو آلية للتصدى لهذا القرار، هناك اقتراحات عدة، أهمها رفض هذه العملية برمتها وربط مشاركتها فى الجمعية التأسيسية بالتشكيل العادل لكل القوى السياسية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدنى وإلا فالانسحاب وترك الجمعية والطعن فى مشروعيتها. أما الاتجاه الثانى فهو الطعن على قرار المجلسين بانتخاب الجمعية على أساس المناصفة بين المجلسين والشعب المصرى أمام القضاء الإدارى على اعتبار أن القرار مخالف لنص المادة 60 من الإعلان الدستورى ولقاعدة المساواة بين المواطنين أمام القانون.
هذا هو التحدى أمام استكمال الشعب المصرى لثورته وبناء دولته وتأسيس دستور عصرى لدولة مدنية نتيجة جمعية تأسيسية للشعب، لا جمعية لتيار واحد.