يسود الأوساط السياسية المصرية لاسيما مع بدء الماراثون الرئاسى فى الثامن من مارس 2012م حالة ترقب ممزوجة بتكهنات وتساؤلات عدة حول من هو مرشح جماعة الإخوان المسلمين للانتخابات الرئاسية المقبلة؟، ذاك السؤال الذى لم يتم الإجابة عنه من قبل الجماعة وحزبها (الحرية والعدالة) حتى كتابة هذه السطور، وذلك رغم البدء فى السباق، وشروع عدد من الأحزاب والقوى السياسية فى إعلان موقفها كحزب الوفد الذى قرر رسميًا دعم السيد «منصور حسن»، وحزب النور الذى فيما يبدو قد يفتح المجال لنوابه بدعم من يرغبون لانتخابات الرئاسة.
وقبل الدخول فى تفاصيل اختيار الإخوان لمن سيدعمونه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، نُسجل ملحوظة مهمة تتعلق بأن الجماعة وحزبها يمثلان عاملاً مرجحاً، وليس حاسماً، فى الانتخابات الرئاسية، لأن هذه الانتخابات يحكمها عوامل عدة- ليست مجال حديثنا الآن- تجعلها مختلفة كثيرًا عن الانتخابات البرلمانية.
ومن الواضح أن تأخر أو بطء الجماعة وقياداتها فى اختيار المرشح الذى سيتم دعمه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، يرجع إلى أنها تتروى فى الاختيار حتى تكون إجابتها صحيحة ودقيقة مائة بالمائة، وبالتالى مقُنعة بدرجة كافية لأفرادها ومحبيها وزمرة من انتخبوا أعضائها فى البرلمان، أو أنها تتعثر فى الإجابة وتقف حائرة بين الاختيارات التى أمامها، مما يزيد من احتمالية وقوعها فى مأزق الاختيار، الذى ربما يُضيع عليها الوقت ويجعلها تحيد عن الصواب.
ويعكس مشهد تحركات الجماعة الأخير كاجتماع مجلس شورتها وأعضاء من الحرية والعدالة فى 16 مارس الجارى، بشأن قضايا معينة على رأسها اختيار من سيتم دعمه للانتخابات الرئاسية، تعثرًا ملحوظًا على غير العادة، إذ تمخض عنه بيان مقتضب يعبر عن مدى الارتباك والانقسام داخل صفوف الجماعة الذى قد يُصيب صُلب التماسك التنظيمى للجماعة بالعُطب وهو ما لا نتمناه.
ويبدو أن إشكالية الاختيار عند الإخوان تتركز بشكل أساسى فى الدكتور «عبد المنعم أبو الفتوح»، الذى خالف قرار شيوخ الجماعة بأن يكون رئيس مصر ما بعد الثورة ليس من بنى جلدتهم، وقرر منفردًا ترشحه للرئاسة، مما وضع الجماعة فى مأزق داخلى كبير، فالدكتور «أبو الفتوح» يحتل مكانة كبيرة فى قلوب أعضاء الجماعة لاسيما شبابها، الذى يأبى أن يُعطى صوته لغير «أبو الفتوح»، بل ويطالب عدد كبير منه حاليًا برجوع الجماعة عن التزامها وتعهدها بعدم ترشيح شخص من داخلها.
وقد لعبت الظروف المحيطة بالسباق الرئاسى حسب تصورى، دورًا فى زيادة حدة المأزق الإخوانى فى اختيار مرشحهم الرئاسى المنتظر، فخروج الدكتور «محمد البرادعى» من حلبة السباق الرئاسى، أتى بالصالح لـ«أبو الفتوح»، فالأصوات الليبرالية التى كانت داعمةً «للبرادعى» يجتذبها الآن «أبو الفتوح» شيئًا فشيئًا، ناهيك عن الحادث الذى تعرض له «أبو الفتوح»، والذى رفع من رصيده كثيرًا فى الشارع المصرى، وبالتالى فإن هذا التقدم جعل الإخوان يفكرون كثيرًا فى الشخص الذى سيدعمونه، ويكون على قدر المنافسة مع «أبو الفتوح» من جهة، ومقنعًا لشباب الجماعة من جهة أخرى، وها هم كما تُردد وسائل الإعلام يحاولون الدفع بالمستشار «حسام الغريانى» رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورغم ما يتمتع به المستشار من كفاءة مشهود له بها من الجميع، فإن قبول أفراد الجماعة به من عدمه لا يمكن توقعه.
ومما سبق يتبين أن خروج الإخوان المسلمين من مأزق اختيار الرئيس يدور فى إطار سيناريوهات ثلاثة، يتعلق الأول بأن يلتزم الإخوان بعهدهم حتى النهاية بعدم دعمهم لشخص من داخلهم، ويحاولون فى الوقت نفسه استيعاب الشباب واحتوائهم.
ولمسنا فى الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعى ما يصُب فى سياسة الاحتواء والاستيعاب هذه، فهناك دعوات ممزوجة بالنصح والإرشاد إلى ضرورة الالتزام بقرار الجماعة كـ(أنا إخوانى وملتزم بقرار الجماعة)، وكذلك خروج شخصيات قيادية محبوبة لتعلن التزامها بقرار الجماعة مثال الدكتور «راغب السرجانى» الذى أعلن التزامه بقرار الجماعة، قائلاً (الاجتماع على المفضول خير من التفرق على الأفضل)، ورغم ذلك، هل تؤدى محاولات الاحتواء هذه إلى نتيجة مرضية للجماعة؟، بالتأكيد قد تنجح، ولكن نجاحها مشروط بوجود المفضول.
أما السيناريو الثانى يتعلق باحتمالية تراجع الجماعة عن التزامها وتعهدها، وبذلك تعلن صراحةً دعمها للدكتور «أبو الفتوح» أو أى شخصية أخرى من داخلها، بخاصة أنه أمر وارد عند الجماعة فلا يغيب عنا تراجعها فى عدد من المواقف منذ بداية الثورة، وذلك لا يعيب الإخوان فى شىء؛ لأن البيئة السياسية متغيرة بطبيعتها، وغالبًا ما تفرض على القوى السياسية تغيير مواقفها، ولكن قد يجد الإخوان صعوبة فى ذلك؛ لأن تعهدهم هذا لم يكن أمام أنفسهم والمجتمع المصرى فقط، بل أيضًا أمام المجتمع الدولى ككل.
وأخيرًا يقدم السيناريو الثالث خروجًا آمنًا للإخوان المسلمين من مأزق اختيار من سيدعمونه فى الانتخابات الرئاسية، إذ يقوم على فرضية الفصل التام بين قرارات الجماعة والحزب (الحرية والعدالة)، مما يحقق حرية الاختيار والقرار لكل منهما، وبالتالى يلغى إلزامية الحزب بقرارات الجماعة السابقة واللاحقة، إذ يستطيع الحزب عبر الاقتراع السرى المباشر بين أعضائه تحديد من سيدعمه فى الانتخابات الرئاسية دون ضغط أو تأثير من الجماعة، وبذلك تكون الجماعة حافظت أيضًا على أحد أهم أعمدتها التكوينية ألا وهو (التماسك).