لم يكن المصريون حتى وقت قريب يجرؤون على الاقتراب من قصر الأندلس رقم 50 فى شارع العروبة بمصر الجديدة أو السير بجواره، حيث كان أحد القلاع الحصينة، التى يحتمى بداخلها النظام البائد، ومقرا لإقامة بعض ضيوفه وخاصة الراحل ياسر عرفات، فكانت نظرة واحدة من أحد أفراد الحماية التى تتمتع بغلظة مطلقة كافية لتنهر المارة عن العبور أو السير فى ذلك الاتجاه، ولم يكن الكثير من المصريين يعتقدون أنه سيأتى يوم يُفتح فيه أبواب القصر أمام الناس من كل بقاع مصر على مصراعيه دون حواجز أو عقبات، أو خوف من هيبة القصر وخشية من كرسى الرئاسة وبطش الأمن، ولكن ثورة 25 يناير حققت للمصريين هذا الحلم الذى كان أبعد من الخيال.
تحول يبدو كالإعجاز ولكن هل نستطيع أن نحوله إلى إنجاز؟ الواقع يقول ذلك بعدما أثبت إرادة الشعب أنها قادرة على فتح كل الأبواب مهما كانت تحصيناتها، وشدة بطشها، ولكن الملاحظ أن هذا التحول يتم تعكير صفوه بسوء القوانين أحياناً، والجهل أحيانا أخرى، ولا يخفف من عبثية المشهد سوى روح الفكاهة التى يتمتع بها المصريون، فقد تحول مشهد الترشح للرئاسة من الإحساس بالمسئولية والسباق نحو طرح الأفكار الإبداعية والمشاريع والبرامح التى تنقذ الوطن، إلى حالة عبثية تسىء إلى مصر ومنصب الرئيس، فبالرغم من أن الديمقراطية تتيح لكل من تنطيق عليه الشروط أن يرشح نفسه ويجيز الإسلام لكل من رأى فى نفسه الأهلية لهذا المنصب أن يرشح نفسه، ولكن فتح الباب على مصراعيه دون ضوابط ومعايير تحفظ للمنصب هيبته ولمصر أموالها، جعل بائعى الخضار والسائقين والترابية ومدمنى البانجو والشحاذين وصغار الموظفين وغيرهم ممن لايدركون قيمة وقامة مصر ومنصب الرئيس يتسابقون للحصول على أوراق الترشيح، لدرجة أن بعض هؤلاء الأشخاص ظن أنه سيحصل على الحصانة بمجرد دخوله إلى هذا المكان، فحمل معه المخدرات غير قادر على التخلص منها لعدة ساعات وكأنه لايريد أن يستفيق من سكراته، أو غير مصدق ذاته.
لقد حولت لجنة انتخابات الرئاسة وقانون الانتخابات المشهد إلى كوميديا، فقد أعلن مجموعة من الساعين للترشح عن إنشاء حزب مرشحى الرئاسة لمواجهة الشروط التعجيزية التى وضعتها لجنة الانتخابات الرئاسية، دون أن يدركوا أنهم لن يستطيعوا أن يجمعوا العدد المطلوب لإنشاء حزب قبل أن يفكروا فى الترشح للرئاسة، بينما تحدث آخرون عن مهاترات هنا وهناك، كما ساهمت بعض سائل الإعلام فى هذه المهاترات من خلال الإصرار على فتح الشاشات أمام هؤلاء الأشخاص، وكأن بعض وسائل الإعلام تهدف إلى التقليل من قيمة هذا المنصب تمهيداً للتحول إلى دولة برلمانية، ولا تريد أن تكون مصر دولة رئاسية.
ولكن الغريب أن كل المرشحين للرئاسة بمن فيهم المشاهير والشخصيات الجادة الطامحة إلى كرسى الرئاسة عجزت عن الحصول على 30 ألف توكيل على مدار أسبوعين كاملين منذ الإعلان عن فتح باب الترشح، مما يطرح العديد من الأسئلة حول قبول ورضا الشعب عن الشخصيات المحتملة التى تتسابق لقيادة مصر.
منذ اللحظات الأولى وقبل أن يفتح باب الترشح أعلن البعض أنه قادر على الحصول على مئات الآلالف من التوكيلات وربما الملايين خلال عدة أيام، وبدت الثقة التى يتحدثون بها أنهم سيجمعون التوكيلات المطلوبة خلال عدة ساعات، ولكن مر أسبوعان واكتشف الجميع أن المرشحين غير قادرين على جمع التوكيلات المطلوبة ويواجهون صعوبات جمة فى تحقيق مآربهم.
إن الشحص المرشح للرئاسة ويعتقد أنه يتمتع بشعبية كبيرة يجب أن يكون قادرا على جمع مليون توكيل خلال أسبوعين، وليس 30 ألف توكيل، وخاصة أننا فى مجتمع يتجاوز تعداده 85 مليون نسمة، والتوكيلات يتم عملها بالمجان، وأبواب مكاتب التوثيق مفتوحة حتى المساء، فما هو السر فى إحجام المواطنين عن عمل التوكيلات.
الواقع يؤكد أن كل الشخصيات التى تتنازع أو تتوافق أو تتسابق على منصب الرئيس تردد نفس الكلام وربما تتحدث بنفس اللهجة، حتى وجد الشعب نفسه أمام شخص واحد فى صور متعددة، فلا أحد يملك برنامجاً مميزاً وأفكارا إبداعية وحلولا ابتكارية تميزه عن الآخرين، مما أدى إلى تردد الناس فى حسم الاختيار والتمهل فى عمل التوكيلات، فلم يعد أحد يعرف شكل ولون المستقبل، وصارت الناس تمشى على أشواك المجهول بعدما تحطمت الكثير من الثوابت والقيم والأهداف الثورية على صخرة الفوضى، وفتحت أخطاء المجلس العسكرى وإصراره على عدم إصدار قانون العزل السياسى الباب لأنصار النظام البائد لكى يواصلوا العبث بمصر، من خلال جمع توكيلات للرئيس المخلوع، فهل يرى الشعب أن هؤلاء المرشحين دون الطموح وغير جديرين بقيادة البلاد؟، أم سيتم الانتظار حتى اللحظات الأخيرة علها تكشف عن مفاجآت جديدة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة