بصرف النظر عن النتائج التى انتهى إليها شكل اللجنة التأسيسية التى ستقوم بكتابة الدستور، فإن ما رافق الأمر من البداية يمثل شرخاً سياسياً له آثاره، فقد أصرت الأغلبية البرلمانية على انتزاع حق كتابة الدستور، وداخل الاحتكار البرلمانى أصر نواب الإخوان والسلفيين على احتكار الجمعية التأسيسية، مثلما احتكروا الجمع بين القوائم والمقاعد الفردية، احتكروا ترشيح الشخصيات من البرلمان وخارجه، ليحتلوا الغالبية الغالبة داخل الهيئة التأسيسية.
بصرف النظر عن وجود شخصيات جيدة وأسماء لامعة، فإن ما جرى كشف عن أن الجماعة لم توف بوعدها فى عدم المغالبة، وأصرت هى والنور على التهام الأغلبية، تحت دعوى أنهم المنتخبون، مستندين إلى غموض الإعلان الدستورى الذى ترك الباب مواربا لسيطرة البرلمان.
وتزامن هذا كله مع أزمة تبدو مفتعلة بين الجماعة والمجلس العسكرى حول حكومة الجنزورى، بدا فيها التداخل بين حزب الحرية والعدالة وبين جماعة الإخوان، الجماعة ليس لها وجود سياسى، بينما الحزب له الأغلبية البرلمانية، الجماعة أصدرت البيان لتدخل جزءاً من معادلة السلطة وتلوح بالتصادم، وتسىء إلى المحكمة الدستورية، وتكرر تجارب الماضى وتمارس نوعاً من الاستقواء والاستعراض، غير منتبهة إلى أنها تفقد فيه خيوط الاتصال مع القوى الديمقراطية والمدنية، التى تعانى هى الأخرى الضعف وتكتفى برد الفعل والغضب النظرى، وهو عيب دائم فى التكتيك والاستراتيجية، بينما الجماعة تفضل التكتيك بصرف النظر عن النتائج.
القوى المدنية أصبحت هى الأخرى فى مرمى نيران جماعة الإخوان، التى ضمنت بيانها اتهامات لليسار والليبراليين بكراهية الإخوان، فى تكرار لتجربة الحزب الوطنى الذى يعتبر كل من ليس معه عدوا، وجمعت القوى المدنية مع المجلس العسكرى، وعزلت نفسها مع حلفائها الجدد، تزامنا مع بيان لما يسمى هيئة شورى العلماء السلفيين بتأييد المرشح السلفى حازم أبوإسماعيل للرئاسة، ليدخل السلفيون فى قطبية مع الجماعة، ضمن حالة من التضاغط تهدد بفتنة، تقضى على كل مزاعم الاستقرار التى رفع الإخوان والمجلس العسكرى رايتها لشهور. وتضع الجماعة فى مواجهة كل القوى السياسية الأخرى ويصورها على أنها اعتمدت تكتيكات مرحلية، للعمل الجماعى تخلت عنها فى محطة مهمة.
الدستور نتاج ثورة قادت الإخوان والسلفيين إلى أغلبية البرلمان، والثورة فعل مصرى شعبى، وبالتالى فالدستور ليس غنيمة يفوز بها الأكثر عدداً، واللجنة التأسيسية ليست حفلا يحضره من يملك ثمن تذكرة، ولا يحق لأحد أن يتحدث عن دستوره، بل عن دستور يضمن الحرية والعدل والمساواة للجميع. وهو الاختبار الأول لبرلمان أغلبيته الإخوان والسلفيين، اختارهم الشعب ليعبروا عنه، وليس عن أحزابهم وما لم يفعلوا فسوف نعود إلى ديمقراطية متسلطة لا تختلف عن تسلط سابق، فهم اليوم فى السلطة وغداً خارجها، وعليهم وهم يمارسون التكتيكات والانفراد والمغالبة، وعلى السادة الأغلبية من الإسلاميين مراعاة فروق الاستراتيجية والتكتيك.