بعد موت البابا شنودة لبس كل المسيحيين فى مصر السواد حداداً عليه وعرفاناً بفضله عليهم وتطويره لحياتهم وقد أعجبنى هذا الوفاء كما أعجبنى أنهم لم يسيئوا للبابا فى حياته رغم اختلاف بعضهم معه.
وكنت أتمنى أن يسود هذا الوفاء لعلمائنا ودعاتنا وأئمتنا نحن أهل السنة، فمن دعاتنا وعلمائنا وأئمتنا من ضحوا تضحيات أكبر وأشد من البابا شنودة، ومنهم من مكثوا فى السجن سنوات عديدة ومنهم من ذاقوا طعم الحرمان وألوان العذاب ومنهم من لقى الله شهيداً ولكنهم لم يلقوا من قومهم سوى النكران والجحود والهمز واللمز والبحث عن الهنات والزلات وما القرضاوى والغزالى والطهطاوى والأفغانى والشعراوى ومحمد عبده وعبد الحليم محمود وجاد الحق منا ببعيد.
نحن الآن نكون اتحاد ملاك مصر وبأيدينا أن نرفع شأن ما نملك أو أن نهمل ونضيع ونخرب ما نملك، ولو حدث ذلك فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا ولا نلوم الحكام فهم أضعف منا الآن ولا يكادون يملكون من أمرناً شيئاً.
على دعاة الإسلام أن يقابلوا الأشواك بالورود ويحسنوا إلى من أساء إليهم ويواجهوا المنكر بالمعروف، والشر بالخير، والنكران بالعرفان، والجحود بالتواصل عساهم أن يجدوا ذلك عند الله إذا لم يجدوه عند الناس. على دعاة الخير الآن أن يعيشوا بقلوبهم وجوارحهم مع قول الداعية الأول للخير ( صلى الله عليه وسلم) «مضى وقت النوم يا خديجة».
رغم أن سيدنا يوسف لفقت له قضية آداب فى مصر ظلماً وزوراً فإنه لم يتأخر عن خدمتها والسعى فى تنمية وإنقاذ اقتصادها وأوصى الملك أن يزرع سبع سنوات ويدخر ثمارها فى سنابلها حتى لا تفسد دون أن يطلب أجراً لذلك أو مقابلاً لذلك، ولكنه طلب فقط إثبات براءته من التهمة الباطلة التى ألصقت به ولم يقل البلد الذى ظلمنى لا أخدمه.. ألم أقل لكم إنه رمز الإحسان الذى تعلم منه كل سجين ومعتقل كيف يكون الإحسان.
الانفلات الأخلاقى الذى نراه الآن فى كل بقاع وشوارع مصر أخطر عليها من الانفلات الأمنى، فالأخير قد يعالج بسهولة وسرعة أما الأول فعلاجه صعب وقد يستغرق زمناً طويلاً.
زال الحاكم الظالم ولكن الظلم فى مصر مازال قائماً وزال الحاكم الفاسد ولكن الفساد مازال مستشرياً وعلى أوسع نطاق وذهب الحاكم الفاسق ولكن الفسق مازال يعربد فى كل مكان وهذا يضع أيدينا على أمر هام وهو أن صلاح مصر لن يكون إلا بصلاح الحاكم والمحكوم والراعى والرعية.. فلم يكن عمر بن الخطاب وحده عادلاً صالحاً ، ولكن رعيته كانت كذلك.
ومن هنا نفهم قول الصالحين دون السلف الصالح «عمالكم أعمالكم».. و«عمالكم» هنا أى حكامكم فقد كان يطلق على الحاكم عامل وكأنه أجير عند الشعب، بدلاً من أن يكون فرعوناً عليهم.