منذ بدأ النظام الجمهورى فى العالم مع الثورة الفرنسية «يوليو 1789»، أُم الثورات الاجتماعية فى التاريخ الحديث، أصبح اختيار رئيس الدولة يتم بالانتخاب من بين عدد من المرشحين لا يزيدون على اثنين أو ثلاثة، ووراء كل واحد منهم حزب سياسى يدفع به إلى حلبة المنافسة، إلا فى مصر التى تشهد هذه الأيام ما لم يشهده الأوائل من حيث كثرة عدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، وليت الأمر يقف على عدد الذين سحبوا استمارات الترشيح، بل إن اللافت لنظر المراقبين فى الداخل وفى الخارج أن أكثر من %95 من الذين سحبوا استمارات الترشيح لا يستطيعون إدارة شؤون «عشة فراخ» على سطح منزل يحتاج «أهلها» رعاية يومية صباحًا ومساء، وهذه الصورة الهزلية لمهرجان الترشيح جعلت بعض المراقبين يقولون إن ثمة قوة خفية وراء اندفاع غير المؤهلين لدخول حلبة المنافسة بهدف تجريد أرفع المناصب وأعلاها من أية كرامة أو خصوصية بدعوى الحرية، أو يقولون إن القصد من كثرة العدد تبديد الأصوات وتفتيتها فلا يحصل أحد على الأغلبية المناسبة لتولى المنصب فنعود من جديد إلى المربع الأول.
وبصرف النظر عن هذه الصورة غير المسبوقة لانتخاب رئيس للدولة فإن الخوف كل الخوف أن يفوز بالمنصب أحد المتشددين دينيّا أو مذهبيّا، خاصة أننا مررنا بهذه الحالة مرتين: الأولى عند الاستفتاء على تعديلات الدستور «19 مارس 2011»، والثانية عند انتخابات مجلسى الشعب والشورى، حيث وقع المجلسان فى يد نخبة من المتشددين الذين لا يخفون توجهاتهم، وبدت الأزمة واضحة ومبشرة عند اختيار لجنة وضع الدستور التى غلب على أعضائها روح التشدد والتعصب، وأصبح مصير الأمة والحال كذلك على كف عفريت.
وعندما يعلن الإخوان المسلمون أنهم يبحثون عن «مرشح له خلفية إسلامية» يشدون من أزره ويقفون وراءه بكل قوة، فهذا يعنى أننا لن نكون أمام رئيس دولة لكل المواطنين على اختلاف أصولهم ومعتقداتهم، وإنما سنكون فى قبضة رئيس دولة متشدد دينيّا ينحاز بالطبيعة والنشأة والثقافة والمعتقد «مع» أو «ضد»، وفى النهاية يدفع الوطن ثمن تزييف إرادته وسوء اختياره.
ومشكلة المتعصب أنه يعتقد بفضيلة ما يعتنقه من أفكار، وأنه دائمًا على صواب وأن غيره على خطأ، وعندما يتفشى هذا التعصب بين أفراد المجتمع تبدأ الحرب بينهم ويقتل بعضهم بعضًا على الهوية مثلما حدث فى لبنان ابتداء من الحرب الأهلية 1975، ثم فى العراق منذ الاحتلال الأمريكى 2003، وفى إقليم دارفور بالسودان منذ 2004 حتى تم انفصال الجنوب عن الشمال «فبراير 2011»، ثم أحداث الفتنة الطائفية فى مصر التى تطفو من آن لآخر.
ولقد تنبهت الأمم المتحدة إلى خطورة التعصب على مصير البشرية، فأصدرت فى نوفمبر 1981 إعلانًا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمة على أساس اختلاف ثقافة الدين والمعتقد، لأن من شأن ذلك تعطيل الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على أساس من المساواة.
ومما يؤكد خطورة أن يعتلى متعصب أو متشدد كرسى رئاسة الدولة أن الرئيس الأمريكى بوش الابن «يناير 2001 - يناير 2009» وكان متعصبًا أعلن أنه يشن حربًا صليبية على الشرق الإسلامى فى أعقاب الهجوم على برجى نيويورك 11 سبتمبر 2001 فسالت الدماء، ورئيس السودان عمر البشير قرر تطبيق الشريعة الإسلامية فى البلاد فكانت النتيجة انفصال جنوب السودان عن شماله، ورئيس لبنان بشير الجميل المتشدد فى مارونيته مارس التمييز فانتهى أمره بالقتل، وهكذا فإن السلطة لا تفسد الإنسان ولكنها تكشف عن معدنه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ahmed mostafa
للعقيدة
أنتمى لعقيدتى اولا وثانيا وثالثا والوطن رابعا
عدد الردود 0
بواسطة:
سامى
مصر فى القلب
عدد الردود 0
بواسطة:
عبده على
الولاء لله ودينه أولا مع حبنا لوطننا
عدد الردود 0
بواسطة:
أ.د. طارق حسن المتولي
هل أنت بتستعبط أم هو تلبيس إبليس
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
يا سيدي الصدام ات وقريب وباين من التعليقات
عدد الردود 0
بواسطة:
بنت مصرية
الانتماء للعقيدة هو انتماء للوطن
عدد الردود 0
بواسطة:
الرميسي
الولاء والبراء
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
يا استاذ عاصم التاريخ سيعيد نفسه 1954
عدد الردود 0
بواسطة:
قاهر الاوباش
انتمي لديني اولا وثانيا ومليار
انتمي لديني اولا وثانيا ومليار
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
سؤال ساذج ( قرأت المقال على فكرة )