إلى أين تسير البلاد، سؤال مطروح منذ أن اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وما أعقبها من سقوط النظام الحاكم وحل البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى وتجميد العمل بدستور عام 1971، ويبدو أنه سيظل مطروحًا لفترة من الزمن بما يوحى بضبابية المرحلة الانتقالية، حيث انقسمت القوى السياسية آنذاك بين مؤيد لوضع دستور للبلاد تسير عليه خطا الديمقراطية المنشودة، وبين آخر رافض لهذا الأمر، وسعيًا لإجراء الانتخابات البرلمانية فى البداية، وهو الأمر الذى أدى إلى جدل سياسى بين القوى الإسلامية ومعارضيها حتى انتصر صاحب الرأى القائل بإجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور، وهذا الحسم الذى تم التصويت عليه فى الاستفتاء الشعبى الذى أجرى فى غضون شهر مارس لعام 2011، الأمر الذى قاد البلاد بلا شك إلى نفق مظلم والعديد من الانقسامات بين القوى المختلفة، رغم أن المفترض أن هذه المرحلة تشهد قمة الوفاق القومى حتى يتم سن دستور جديد للبلاد يعبر عن مطالب كل القوى وليس مطالب تيار بعينه.
وبالفعل فقد أجريت الانتخابات البرلمانية التى شهدت العديد من المطاعن عليها، حيث إن النظام الانتخابى الذى تم سنه عقب ثورة يناير أدى إلى وصول التيار الإسلامى وحصوله على الأغلبية الكاسحة فى البرلمان، فرغم أن النظام الانتخابى أعطى للأحزاب الثلثين من مقاعد البرلمان للتنافس عليها وترك الثلث للمستقلين، فإن حزب الحرية والعدالة رفض هذه النسبة المخصصة للمستقلين وطالب، بل وضغط على المجلس العسكرى، لكى يتم السماح للآخرين بالتنافس على هذه النسبة، مما أدى إلى تحقيق هذه النتائج التى حسمت الأمر فى البرلمان لصالحهم، وبعد انفراد حزب الحرية والعدالة بالأغلبية البرلمانية قام بوضع معايير اختيار اللجنة التأسيسية بواقع %50 من البرلمان و%50 من خارجه، ثم برزت فى الفترة الأخيرة مهاجمته للحكومة بدعوى فشلها فى قيادة قاطرة الإصلاح وتحقيق الاستقرار والأمن داخل البلاد طوال الفترة السابقة، وبالتالى دعوة المجلس إلى سحب الثقة من الحكومة.
إن اشتداد المعركة بين حزب الحرية والعدالة والمجلس الأعلى وخروج الصراع المكتوم إلى العلن فى بيانات صحفية وتهديد باستخدام الشارع والتظاهر يدعو للقلق، بالإضافة إلى التلويح بورقة تقديم مرشح للإخوان المسلمين لرئاسة الجمهورية وكأنه تهديد بفك الاتفاقات السالفة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتزامهم بعدم تقديم مرشح فى الانتخابات الرئاسية، وفوق ذلك طبعًا وضع دستور إخوانى صرف بعدما تم اختيار لجنة وضع الدستور والاستيلاء على %75 من مقاعدها للإخوان ثم السلفيين أو المحسوبين على التيار الإسلامى من النقابات والشخصيات العامة، وهذا يأخذنا إلى أحد سيناريوهين، الأول أن تستكمل الإخوان خطا الانقلاب على الثورة المصرية وتقوم بالاستيلاء على كل السلطات التشريعية والتنفيذية على حد سواء، وإقصاء كل القوى السياسية من المشهد العام بما فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة ذاته، وهذا سيناريو تم سابقًا فى إيران إبان الثورة الإسلامية عام 1979، فبعد أن شاركت كل القوى السياسية فى هذه الثورة على نظام الشاه المستبد، مثل الحزب الشيوعى وجماعة مجاهدى خلق وغيرها من القوى والأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى رجال الدين بقيادة الإمام الخمينى، لم يمر عام وسيطر التيار الإسلامى على مقاليد الأمور فى البلاد، وهنا تتجلى أهمية السيناريو الثانى فى إدارة المرحلة الانتقالية بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مما يؤدى إلى وضع قواعد دولة حديثة بدستور مدنى ديمقراطى، تشارك فى وضعه كل القوى السياسية والمجتمع المدنى على قدم المساواة، وبعدها تجرى الانتخابات التنافسية بين القوى السياسية بقواعد الدستور وباحترام القانون، وإلا فإننا سنواجه بنموذج الدولة الفاشلة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
لا لن تفشل الدوله ولكن قريبا سيحدث الصدام حتما