رمضان العباسى

أزمة الدستور فى تفسير المستور

السبت، 31 مارس 2012 10:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اختلط الحابل بالنابل فى مصر، وأكفهرت الدروب وملأت الأحقاد القلوب، وضاقت العقول، وأصبح الكل ينافس فى الفساد والإفساد على طريقته الخاصة، وقفزت الأنا إلى أعلى الدرجات، وتلاشت مصلحة الوطن من العقول والقلوب، وحلت محلها مصالح الجماعات والأحزاب، وتفرق حلم المصريين على أنابيب الغاز ومحطات البنزين والسولار ومواجهة البلطجية والعصابات، وضاعت ثورتهم بين الضباب المهيمين على الأحزاب والجماعات السياسية، والغيم المخيم على السلطة الحاكمة.

ظهر المواطن المصرى فى الأحداث السياسية التى تشهدها البلاد فى واد، والقوى السياسية فى واد ثانٍ، والحكومة والمجلس العسكرى فى واد ثالث، وبدت المسافة بينهم تزداد تباعدا مع زيادة الأنانية، فى ظل الحضور الطاغى للأنا وغياب الوطن، فالرؤية تجاه المستقبل تغشاها الارتباك وأصبحت الأفكار التى تطرح على الساحة تسبح فى بحور ضحلة من العصبية والذاتية، واختلط المفتى بالمغنى، والمستهتر بالمفكر، والفِل بالثورجى، والسفهاء بالعلماء، والخارجين من الجحور بالجسورين منذ أمد بعيد، ووجد الشعب نفسه مجبراً على سماع ما لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق، الكل يتكلم باسمه، ويركب على أمواجه، ويحاول أن يوجهها كيفما يريد، مستغلاً أزماته الطاحنة وحاجاته المزمنة، والجهل والشك اللذين أغرقه فيه النظام البائد.

وبالرغم من أن الانسان المصرى يعيش فى غابة من القوانين معظمها جيدة بشهادة الجميع، ولكن مشكلتها كانت فى التطبيق ولى عنقها من قبل النظام البائد، إلا أن حرب القواميس والنواميس بدأت تلفح المصريين فى ظل محاولة كل طرف من الأطراف المتصارعة على الفوز بالهيمنة على لجنة تأسيس الدستور، لكى يخرج الثوب فى النهاية على مقاسه لضمان استمراره وحمايته، دون إدراك أن الدستور لم يعد يحمى فاسداً أو متسلطاً أو متخاذلاً، وإلا كان حمى مبارك وأعوانه.

لقد أصيب كل طرف من الأطراف المتصارعة بالتضخم والتورم، وانتفخ الجميع، حتى أصبحوا كالقنابل القابلة للانفجار فى أى لحظة؛ لتزيد من أوجاع الوطن والمواطنين، وتعكر المسيرة نحو العبور للمستقبل، فالحكومة تتحدى البرلمان بشكل سافر، وتغض الطرف عن عبث النظام السابق بالبلاد، وبدلاً من التطهير والتخلص من الفاسدين والعابثين فتحت الباب للبائدين والقابضين على جمرة الكراهية للثورة والشعب بالتسلل إلى معاقل الوزرات والهيئات والتحكم فى مقاليد الأمور، والمجلس العسكرى يبعث رسائل هنا وهناك.

أما البرلمان فلا يملك سوى سلطة الكلام، ولكن أخطر ما تتعرض له مصر فى هذا الصراع يكمن فى إتاحة الفرصة لأنصار النظام البائد مواصلة مسيرتهم، ببث الحقد، وحقن الوطن بأمصال ملوثة، والتلاعب فى القضايا والأوراق، كما حدث فى ملف موقعة الجمل الذى اختفى لحاجة فى نفس الفلول وأعوانهم، بل أصبح الفريق أحمد شفيق يعلن أنه لايوجد شىء اسمه موقعة الجمل، وكلما طالت الأزمة كلما تمكن الفلول من إخفاء كل ما تبقى من مستندات وأوراق وإفراغ الصناديق الخاصة من الأموال حتى تتسلم الحكومة الجديدة كل شىء على نظافة.

إذا كانت صناعة الدستور تستوجب كل هذا الصراع فإن الحرص على مصر يستوجب ألا تغمس الأطراف رؤوسها فى مستقنع الأنانية حتى تبقى مصر قادرة على مواصلة مفاجآتها الثورية، ونجاة الوطن من خراب الضمائر، وإسقاط كل من يحاول أن يركب موجة الشعب من فرسان الخطايا والكذب والافتراء على مصر.

إن وضع الدستور ليس بدعة يجب تجنبها أو سنه يختلف الناس فى أدائها، بل فريضة تجمع أبناء الوطن حولها مهما اختلفت عقيدتهم وصنعتهم، لذلك يجب ألا تستأسد أحد السلطات الثلاثة بوضع الدستور، وأن يسند الأمر إلى مجموعة من المبدعين فى مختلف التخصصات والتيارات، حتى لا تقوم إحدى السلطة المهيمنة بوضع الدستور على مقاسها، وتعزز مكانتها على حساب الآخرين.

إن الجدل الدائر حالياً حول تفسير المادة الخاصة بتشكيل لجنة تأسيس الدستور يؤكد على ضرورة إسناد الأمر إلى أهله حتى لا يسقط الوطن فى دستور جديد يحمل تأويلات عديدة وأزمات كثيرة، فأزمة لجنة التأسيس تكمن فى إخفائها بين السطور فى الإعلان الدستورى الذى استفتى الشعب على عدة مواد منه، بينما صيغت باقى المواد فى المستور.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة