أحاديث السيدة فايزة أبوالنجا عن «الكرامة الوطنية» فى القضية التى عُرفت باسم «التمويل الأجنبى» جعلت المصريين يعتقدون أن ثمة شيئا تغير فى مصر الثورة، ولكن الذى يدرك بواطن الأمور يعرف أن إدارة السياسة الخارجية فى مرحلة الثورة تشى بضعف وترهل ربما أكثر مما كانت عليه فى السابق. رفع «حظر السفر» عن المتهمين الأجانب، والطريقة التى غادروا بها البلاد يثبتان أن هناك طريقا طويلا أمام مصر حتى تفعل ما تعنيه «الكرامة الوطنية» التى يتحدث عنها مسؤولوها.
المشكلة أن فى السياسة الخارجية لكل الدول ينبغى أن يكون هناك قياس واضح للقدرات والإمكانات، دون تهويل أو تهوين، وقدرة النظام السياسى فى تعظيم «نقاط القوة» وتهميش «نقاط الضعف». فى أزمة المنظمات الأجنبية، من اقتحام منظمات ثم تفتيش، لائحة اتهام، ومنع متهمين أجانب من السفر، ثم إحالة القضية إلى المحكمة. مراحل مختلفة مرت بها القضية، خط الرجعة فيها كان واردا، لم يحدث ذلك وساد خطاب واحد، هو الكرامة الوطنية، وأن القضية ليست سياسية ولكن جنائية، ونشرت الصحف التحقيقات والاعترافات التى توجه الاتهام للمتهمين بالعبث بمقدرات المجتمع المصرى، وحفلت قائمة الاتهامات بما هو أخطر، أى تقسيم مصر، ووجود خطط جاهزة لتحقيق ذلك، وهى ذات النوعية من الخطط التى وجدت فى مكاتب هذه المنظمات فى السودان. كلام خطير، واعترافات تفصيلية، ثم فى النهاية قرار مفاجئ برفع حظر السفر ثم طائرة تحملهم جميعا إلى خارج البلاد، وكان يمكن أن يمضوا بضعة أيام، أو يغادروا البلاد فرادى، ولكن أراد الأمريكان أن يرسلوا رسالة واضحة عبر هذه القضية خلافا للرسالة التى حاولنا نحن إرسالها، وقد ظهر ذلك من تصريحات هيلارى كلينتون التى سبقت قرار رفع حظر السفر، وللأسف وضعنا القضاء المصرى فى موقف قاس..
هل القضية التى اعتبرت الأولى فى نوعها - بعد الثورة وقبلها - هى مجرد «جنحة». الاتهام بضخ المال السياسى، وتقسيم مصر جنحة، وما مصير القضية بعد أن غادر المتهمون الأجانب البلاد، هل سيحاكمون غيابيا؟ هل سيتحمل المتهمون المصريون فقط تبعة القضية؟ هل نتركهم هم الآخرين يسافرون؟
لا أعتقد أن نظام مبارك لو كان قائما كان سيتعامل مع هذه القضية بهذه الكيفية. لا خلاف على أنه كان نظام تابعا، خاضعا، خانعا، ولكن فى المقابل كان يحسب خطواته فلا يضع قدماه على طريق يعرف أنه سيجلب عليه المتاعب. وفى القضايا السياسية، التى تلبست مظهرا جنائيا كان يتعامل مع الضغوط الخارجية بهامش من المناورة، وعادة ما يكون إخراجها للرأى العام فيه بعض من ماء الوجه، وإن شابه فى كثير من الأحيان الانتقادات.
«الكرامة الوطنية» التى سمعنا عنها تدوى فى هذه القضية لا تتحقق بملاحقة منظمات غير حكومية، ولكن بالقضاء على الفقر والبطالة والأمية والتراجع الثقافى. هل تعلمنا الدرس هذه المرة؟
عدد الردود 0
بواسطة:
أيــــــــــــــــــــوب
دائما تضيع الكرامه فى مارس