اقتربت ساعة الدستور، وبدأت إجراءات اللجنة التأسيسية، وسيختار السادة أعضاء مجلسى الشعب والشورى لجنة الثلاثين التى ستختار لجنة المائة، وأعضاء لجنة المائة عليهم مهمة مقدسة، ولا نعرف إذا ما كان لدى كل منهم من الضمير والتفهم ما يجعله يعلى مصالح الوطن على مصالح الشخص أو الحزب أو الأيديولوجيا. الدستور هو المستقبل، أو الجزء الأكبر منه، وضمانات الدستور أهم منه لأن استمرار بقاء مواد الدستور جامدة بلا تحقيق يجعله مجرد حبر على ورق.
كان يمكننا أن نطمئن إلى أن الأمور تسير بشكل طبيعى، لولا حالة الهياج السياسى التى أصابت النخبة وجعلتها منقسمة ومفككة، لأسباب خاصة ومصالح ورغبة عارمة فى الظهور والنجومية، لقد أرهق السادة النجوم أنفسهم خلال شهور فى كل المعارك، وتركوا القضايا المهمة، ولما جاء وقت الانتخابات فشلوا، ثم عادوا ليفشلوا، واقتربت انتخابات الرئاسة ومازالوا منقسمين.
الفكرة ليست فى اختيار لجنة من مائة شخص تكتب الدستور، بل فى شيوع حالة من الشك بين الجميع، شك زرعته شهور من الإجابات الخاطئة عن أسئلة غير مطروحة. ومهما كانت الدقة فى اختيار لجنة المائة، فلن تكون ممثلة لكل التيارات والفئات والمهن والاتجاهات، لكن الأهم ألا يكون لأى تيار الغلبة داخل هذه اللجنة، ولا حتى الأغلبية البرلمانية، لأن الأغلبية يمكن أن تتغير بينما الدستور ثابت.
كان دستور 71 يتضمن كل مواد الحريات، ولم تكن الحريات متاحة، وكان يتحدث عن تكافؤ الفرص ولم يكن هناك تكافؤ للفرص، كان يقول مساواة، وسقطت المساواة لصالح التوريث فى السياسة والوظائف، كان العلاج مضمونا وكان المرضى يموتون، والمفروض أن كل مواطن له نصيب فى الثروة العامة، ومع هذا كان عشرات يستحوذون بها، وملايين محرومين منها.. القضية إذن ليست فى النصوص، ولكن فى ضمانات تنفيذ هذه النصوص، لسنا فى حاجة إلى دستور يتحدث كثيرا ونظام لا يفعل شيئا، بل نحن فى حاجة إلى دستور قصير يضمن لكل مواطن حقه ويحدد له حرياته وواجباته، وليس من حق شخص أو تيار، مجلس عسكرى أو مدنى، حزب أو جماعة أن يحتكروا الحديث باسم الشعب.
والأهم من لجنة الثلاثين ولجنة المائة هو توفر حسن النية والثقة فى النفس والثقة فى الآخرين، وهذه الثقة المفقودة هى مربط الفرس فى كل القضايا، لقد انشغلنا خلال شهور بمعارك كثيرة لم يكن المستقبل من بينها، معارك حول الماضى والتاريخ، وهى معارك صنعها من ليس لديهم خبرات سياسية ولكن لديهم مطامع، ولا نتوقع أن تكون الأيام القادمة سهلة، الأزمة ليست فى لجنة المائة، لكن فى النيات التى ستحكم اختيار اللجنة، النية هنا أهم من اللجنة.