الدستور ليس غنيمة يفوز بها الأكثر عددا، واللجنة التأسيسية ليست حفلا يحضره من يملك تذكرة، الدستور هو المستقبل لكل المصريين، وأى خلاف حول المسميات أو المقدمات هو من نوع الجدل البيزنطى الذى يضيع الوقت والجهد ويثير المعارك، حول المسميات والأشكال وعدد المشاركين من البرلمان فى الجمعية التأسيسية، وبعض السادة النواب الذين مازالوا عاجزين عن تقديم أداء برلمانى يعبر عن مجمل مطالب الشعب المصرى، أو يقدموا نموذجا للتوحد والتعبير عن المصريين، لكنهم قفزوا يطالبون بنصيبهم من اللجنة التأسيسية، ومازالوا يثيرون الخلافات كل يوم حول المسميات، غير مدركين لخطورة اللجنة التأسيسية، وأهمية أن تكون معبرة عن الشعب كله وليس عن فئة من المواطنين دون غيرها.
وكما قلنا فإنه ما لم يأت الدستور معبرا عن كل المصريين فإنه سيكون دستورا محكوما عليه بالسقوط، حتى لو تم إقراره، وإذا كان يصح أن تصدر القوانين وفيها عيوب يمكن تعديلها أو إلغاؤها، فالأمر فى الدستور مختلف لأنه مدونة دائمة لا يفترض أن تتضمن أخطاء أو تمييزا أو تفرقة بين المواطنين.
وبدلا من الجدل العقيم حول اسم الدولة القادمة وشكلها يمكن الحديث عن المبادئ التى يجب أن يتضمنها الدستور القادم، فلا خلاف حول دولة القانون، وتداول السلطة والمساواة.. قانون واحد يحكم الجميع لا فرق بين وزير وخفير، ومساواة فى نظام عادل يضمن حق العمل والعلاج والتعليم للجميع، وتوزيع عادل للدخل والثروة العامة، وكيفية استثمارها وتوزيع عائدها، ونظام ضرائب يجعل الكل سواء فى الواجبات والحقوق، ولا يختلف أنصار أى دولة من ذات المسميات المتعددة على تكافؤ الفرص فى التعليم والعمل والترقى، لا فرق بين غنى أو فقير، وأن تتاح حرية الاعتقاد والتعبير.
وبالرغم من وضوح كل هذا فإن البعض يلجأ إلى المزايدة والادعاء، فلا يمكن تحت أى مسمى دينى أو قانونى أن يتم حصار الحريات أو إلغاء المساواة بين المواطنين، أو تكافؤ الفرص، وهى المبادئ التى غابت من النظام السابق، بالرغم من كونها كانت متضمنة فى الدستور السابق.
المعركة الدائرة الآن لا علاقة لها بمستقبل مصر، بعد ثورة أسقطت نظاما من أجل بناء نظام جديد، وهى التى منحت نواب الشعب مقاعدهم، وعليهم أن يسعوا لتحقيق أهدافها، وألا ينشغلوا بالمجادلات البيزنطية التى تهدر الوقت والجهد وتقسم المصريين إلى فئات وجماعات وتيارات، أو ينشغلوا بالسيطرة على اللجنة التأسيسية التى تضع الدستور، بينما هموم المصريين ومطالبهم وأهدافهم واحدة وواضحة، والأغلبية لا ترى فائدة من خلاف يتواصل حول اللجنة التأسيسية ومسميات، ومجادلات يصنعها نواب أتى بهم الشعب، رهانا على المستقبل فإذا بهم ينقلونه إلى الماضى.. لا يحق لأحد أن يتحدث عن دستوره، بل عن دستور يضمن الحرية والعدل والمساواة للجميع.