كنت أظن أننا على يد المجلس العسكرى عدنا إلى مرحلة ما قبل يناير، ولكن يشاء القدر أن يظهر الحقيقة كاملة على يد أمريكا وحلفائها من العسكر، فتأكدت أننا عدنا إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، وأشعر الآن أنه إذا ما قامت مظاهرة بعد قضية التمويل الخارجى، وتهريب المتهمين الأجانب، فمن العبث أن يهتف المتظاهرون:«يسقط يسقط حكم العسكر»، والأولى أن نستعيد هتافات مرحلة ما قبل الاستقلال والمحاكم المختلطة ونقول صارخين: «يسقط يسقط الاستعمار»، أو «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» أو «تسقط المحاكم المختلطة».
البلاد المحتلة أجنبيا لا تفعل أكثر من هذا، تحتقر أبناءها وتعذبهم وتعتقلهم وتضطهدهم، بينما تبغدد محتليها وتميزهم وتعاملهم معاملة العبد للسيد، فليست هذه القضية بفضيحتها العالمية إلا امتدادا لسياسات الاستعمار التى رفعت من شأن الأجانب وأحطت من شأن المصريين، وهذا ما يأباه شرفاء هذا الوطن ومخلصوه، ولتقرأ معى هذه السطور التى كتبها المستشار أشرف العشماوى، قاضى التحقيق المنتدب لهذه القضية، معتذرا عن استكمال التحقيق لأن العدالة التى لا تطبق على الجميع تصبح ظلما بينا.
يقول العشماوى فى مذكراته التى قدمها للمستشار حسام الغريانى، رئيس المجلس الأعلى للقضاء: السيد المستشار الجليل إن كل ما حدث جعلنى أستشعر الحرج وعدم العدالة بشأن الاستمرار فى مباشرة تحقيقات تلك القضية، خاصة أن الجزء المتبقى قد يقتصر على متهمين مصريين فقط بعد مغادرة جميع الأجانب العاملين بهذه المنظمات والمتهمين فى هذه القضية للبلاد عقب قرار محكمة استئناف القاهرة سالف البيان، وما صاحب صدوره من ملابسات مريبة شعرت معها باختلال ميزان العدالة تماما فى تلك الدعوى على ضوء ما حدث، وهو ما جعلنى أتخذ قرارى بترك التحقيقات نهائيا.
شعور بالمرارة المؤلمة، هو ما تتركه فى نفسك قراءة هذه الفقرة من تلك المذكرة، وبرغم أنى كنت لا أحبذ أن يترك الشرفاء مواقعهم لكى لا يأتى غيرهم فتتوه الحقائق، لكننى لا أقدر على أن ألوم قاضيا رأى العدالة التى عاش حياته مدافعا عنها تنتهك بأوامر سيادية ممن لا يملكون قرارهم، ولا يقدرون على حفاظ استقلال وطنهم، ليعيدونا إلى أواخر القرن التاسع عشر، وقت إنشاء المحاكم المختلطة التى كانت تعفو عن الأجانب وتنكل بالمصريين، والتى ناضل الشعب المصرى من أجل إلغائها، وكان إلغاؤها أحد مطالب ثورة 19، كما نصت معاهدة 36 على إلغائها، وألغيت تماما فى العام 1949 لتبدأ مرحلة الاستقلال التام بعد ثورة 1952، وبعد ستة عقود بالتمام والكمال يعيدنا المجلس العسكرى إليها وهو الذى يدعى أنه حامى حمى الوطن، وراعى مدرسة الوطنية الأول.
لنا الآن أن نسأل عن الأسباب الخفية التى جعلت المجلس العسكرى يرتضى بهذه المذلة الصارخة، فهل خشى المجلس حقا من مزاعم قطع المعونة.. أم خشى على رجاله بعد أن سرّبت أمريكا إلى صحفها وثائق تثبت تورطهم فى تلقى رشوة فى واحدة من مئات الصفقات الخاصة بالأسلحة؟ وهل يكون أثر هذا التهديد المعلن أن يضيع نضال شعب طوال قرنين من الزمان على يد حفنة ممن يسمون أنفسهم قادته وأن نعود إلى عهود الإظلام البائدة، التى حاربنا فيها كل صنوف الاستعمار لنكتشف فى آخر الأمر أننا فى المربع رقم صفر؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام
سؤال برئ
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو رحمة
الشعب مش عاوز حاجة
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
المرشح الرئاسى الذى يضمن النجاح ...
عدد الردود 0
بواسطة:
دكتورة إحسان
الحقيقة أن الشعب يريدك أن تتوقف عن الكتابة لأن كل ما فى المقالة هو رغى بلا مضمون ولا قيمة
عدد الردود 0
بواسطة:
عثمان
أغرب شىء
عدد الردود 0
بواسطة:
ســعيد متولـى
الليبراليين أمرهـم غريب