العطب الذى تعرضت له رئة الشاعر الكبير حلمى سالم، يحتم علينا جميعاً أن ندعو إلى إيجاد الوسائل القانونية اللازمة والسريعة لعلاج المبدعين المصريين على نفقة الدولة، حتى لا ننتظر (مكرمة) من رئيس أو نائب رئيس يوافق على علاج المبدع على نفقة الدولة، مثلما وافق الفريق سامى عنان، نائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، على علاج حلمى سالم على نفقة الجيش، بعد أن تحدث إليه وزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد فى هذا الأمر.
إن مرض شاعر كبير يوجب أن تنهض مؤسسات الدولة كافة من سباتها، فالشاعر عطر الوطن، وروح الأمة، فكيف نتركه يكابد المرض؟ وحلمى سالم يعد أحد أهم شعراء العالم العربى كله، فكيف ندع السرطان ينهش رئته الحالمة؟ وهل يليق به وبنا أن ننتظر (الصدقة) التى يمنحها مسئول كبير لعلاجه؟ افرض أن كتابات حلمى وقصائده ومواقفه السياسية لم تعجب النظام الحاكم، فقرر الانصراف عنه وإهماله، فهل معنى ذلك أن نترك الدموع تسيل من رئته الحزينة لأن النظام حرمه من (منحة) العلاج على نفقة الدولة؟ لا تنسَ من فضلك أن حلمى سالم معارض أصيل لنظام مبارك المستمر حتى هذه اللحظة!
أرجو ألا تظن أننى أطالب الدولة بتوفير العلاج للشعراء والمبدعين فحسب، بل يجب على الدولة الجادة والمحترمة أن تمنح حق العلاج الكريم لكافة مواطنيها وبأرخص الأسعار، ولا تتركهم عرضة للمرض وبؤس المستشفيات الحكومية.. لكن ينبغى أن تنتبه الدولة، وأكرر الجادة والمحترمة، إلى القيمة الكبرى لمبدعيها الحقيقيين، فتضع القوانين التى تيسر لهؤلاء المبدعين سرعة تلقى العلاج اللائق، لأنهم قناديل النور الذى يشيع فى أرجاء الوطن.
وقد قال ديجول رئيس فرنسا التاريخى عندما ألح عليه مستشاروه بالقبض على الفيلسوف جان بول سارتر لأنه يحرض الطلاب على الثورة ضد النظام، قال ديجول بحق: (ولكن سارتر هو أيضاً فرنسا... فهل أقبض على فرنسا؟). هل أدركت الآن قيمة المبدع الحقيقى عند الدول الجادة والمحترمة؟
أذكر أن الناقد الكبير رجاء النقاش رحمه الله كان يقول لى: (إن الدولة المصرية دولة قاسية عند تعاملها مع المبدعين)، وكان الحديث بيننا حول الظلم، الذى يتعرض له المبدع عندنا فى مصر إذا ألم به مرض عضال، وكانت إمكاناته المالية لا تسمح له بأن يتكفل بمصاريف علاجه.. آنذاك قال رجاء النقاش مقولته السابقة، مؤكداً أن عدد المبدعين المصريين الموهوبين بحق لن يتجاوز عشرة آلاف إنسان، وهو رقم صغير تستطيع الدولة أن تخفض لهؤلاء جميعاً جناح الذل من الرحمة إذا شاءت!
لذا على الذين سيضعون الدستور أن يلتفتوا جيداً إلى ضرورة وجود صياغة ما تمنح المصريين كلهم حق العلاج الكريم، مع الأخذ فى الاعتبار القيمة الكبرى للمبدعين تحديداً.
ويا شاعرنا الكبير وصديقنا العزيز أستاذ حلمى سالم: قلبى معك، ودمت مشمولاً بالصحة والعافية لتبدع لنا قصائدك المدهشة على الدوام.