ينبغى أن نرد الاعتبار جميعًا إلى «محمد عبدالقدوس»، ذلك الصحفى الذى ينتمى إلى الإخوان المسلمين من قمة رأسه لأخمص قدميه، لكن كان له موقفه المستقل «النقدى» من تشكيل لجنة وضع الدستور، متهمًا إياها باستبعاد الآخرين. لا أحد يزايد على نضال الرجل، فقد كان يواجه لسنوات نظام مبارك على سلالم نقابة الصحفيين، حاملاً الميكروفون فى يديه، لم يترك أحدًا إلاّ ودافع عنه أيّا كان اتجاهه.
لا أعتقد أن «محمد عبدالقدوس» ساحر من سحرة «فرعون»، وليس الأستاذ محمد بديع، مرشد الإخوان المسلمين - الذى أطلق هذا الوصف على الإعلام - يمتلك عصا سيدنا موسى التى سوف تبتلع ثعابين السحرة.
تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور سبب صدمة للمجتمع المصرى، والأكثر أنه كان «القشة التى قصمت ظهر البعير» كما يقولون فى العلاقة بين القوى السياسية والإخوان المسلمين. المشكلة أن الإخوان يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون عكس ما يقولون. قبل الانتخابات البرلمانية قالوا لن نترشح على أكثر من %30 من المقاعد، ثم قاموا بالترشح فى الغالبية العظمى من الدوائر. قرأنا تصريحات عديدة بأن رئيس مجلس الشعب لابد أن يكون «توافقيّا»، ثم فوجئنا بترشيح الدكتور سعد الكتاتنى رئيسًا. قالوا إنهم لا يريدون الرئاسة، واليوم يقولون نريدها. لجنة وضع الدستور، قالوا إنها ستكون معبرة عن أطياف الشعب المصرى، ثم جاء تشكيل اللجنة باتفاق بين حزبى «الحرية والعدالة» و«النور» على «القائمة الدوارة» التى تركت «النزر القليل» للآخرين تحت دعوى التوافق، وسمعنا من يقول إنه دستور الأغلبية، وأخيرًا رئيس مجلس الشعب هو رئيس اللجنة.
من حق حزب الحرية والعدالة أن يخوض تنافسًا سياسيّا للسيطرة على طول البلاد وعرضها، فهو حزب سياسى شرعى، لا أحد ينازعه فى أحلامه وطموحاته، ولكن عليه أن يعلن بوضوح من الآن فصاعدًا أنه يخوض التنافس على نقل ملكية المجتمع المصرى من بقايا الحزب الوطنى إلى حزب «الحرية والعدالة». لن أغضب، ولن يغضب أحد، فهذا حقه، ولكن عليه أن يعلن بوضوح أن شعاره هو «المغالبة»، وليس «المشاركة»، ويترك الأمر للشعب المصرى ليقول كلمته. ولكن أن يتمسح بالمشاركة فى حين أنه يريد الهيمنة، فهذه هى المشكلة الحقيقية، وسبب ثورة القوى السياسية عليه. ليس فقط بسبب لجنة وضع الدستور، ولكن لمجمل مواقف الإخوان فى الشهور الماضية تجاه رفض التحرك المشترك مع القوى السياسية الأخرى.
بالطبع لست من أنصار فرض الوصاية أو تقييد حركة فصيل سياسى لاعتبارات ليست نابعة من تصوراته الخاصة، فيجب على القوى السياسية الأخرى ألاّ تفرض تصوراتها على الإخوان المسلمين، ولكن يجب أيضًا على الإخوان المسلمين ألاّ يواصلوا الحديث عن المشاركة مع بقية القوى السياسية فى حين أنهم يفعلون غير ذلك.
المطلوب هو الوضوح، بدلاً من حرب المواقع.