ومثلما أصبحت مصلحة مصر حجة الجميع، صارت جملة «الشعب ده مش عارف مصلحته» هى الأخرى لبانة فى فم بعض التيارات، كل حسب أهدافه وموقفه وموقعه، يحدثونك عن الديمقراطية وإذا جاءت الانتخابات يقولون إن الشعب يختار خطأ، هذا الكلام يقوله مثقفون ونخبة ومتعلمون كلما عجزوا عن تفسير سلوك جماعى، هم أنفسهم مدحوا الشعب وأداءه فى الثورة، قبل أن يتفننوا فى تصنيفه إلى حزب كنبة وحزب كرسى وحزب ناصية.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية تتكرر الكلمات بطرق مختلفة، حيث يبدى كل مرشح ثقته فى أنه الأفضل والأصلح، وأنه الذى سوف يجذب أصوات الجماهير، وعندما يشكك البعض فى إمكانياته يبدأ فى إعادة ترديد الأسطوانة المشروخة عن الشعب الذى قد يصوت ضد مصالحه.
ونحن نتفرج على مهرجان الرئاسة، نجد مرشحين من كل الأنواع بين يمين ويسار ونظام سابق ومناضلين ومحامين ودبلوماسيين، ثم إخوان وعمر سليمان، اليسار والليبراليون لم يتفقوا على مرشح ودفعوا بأصدقائهم وبعضهم بلا فرصة تقريبا، حتى رشح الإخوان الشاطر ومعه مرسى احتياطيا وأعلن عمر سليمان نائب مبارك الترشح، استيقظت غدد الخوف والتردد وبدأت معارك تتداخل فيها الأطراف وتتقاطع المصالح.
عدد من المرشحين للرئاسة اجتمعوا وأعلنوا نيتهم فى مواجهة ترشح الفلول، ولم يفكروا وهم مجتمعون أن ينسقوا من أجل مصلحة مصر ليقدموا مرشحا وفريقا معه، ومن بين فريق مضادات الفلول السيد عمرو موسى وهو محسوب على النظام السابق، ولم يشارك الإخوان، ولهم مرشح أصلى وآخر احتياطى، وسارع عصام سلطان نائب الوسط بتقديم مشروع قانون متعجل لمنع رجال مبارك من الترشح، ولم يتذكر العزل منذ أربعة شهور كان فيها البرلمان منعقدا، وهل يمكن تفصيل قانون بعد إغلاق باب الترشح؟
لاحظ أن الحديث عن أزمة الجمعية التأسيسية والدستور توقف فى زحام مفاجآت الترشح للرئاسة، والدستور يعتبر القضية الأهم فى المستقبل والتى من شأنها أن تمنع عودة التسلط والمتسلطين.
كل هذا يعنى أن النخبة ليس لديها تصور تقدمه للشعب، مجرد ردود أفعال لحظية بلا خطط، ثم إنها تلوم الشعب عندما يشعر بالحيرة ويشعر أن المعركة التى تدور من حوله لا تخصه بل تخص متصارعين على السلطة.
لقد كان مبارك يرفض ترك الرئاسة لأنه يحتقر الشعب وينوى الاستمرار هو وعائلته.. الآن كل ما يجرى من كذب ومناورات يؤكد أننا انتقلنا إلى مرحلة احتقار الرئاسة والشعب، وأصبحنا أمام فرق تخوض حربا عشوائية قد تنتهى بعودة النظام السابق بأسماء وأشكال مختلفة، تقود إلى الاحتكار والخلط بين السلطات والمصالح، أو إلى فوضى تغيب فيها الحقائق وتسود فيها الأكاذيب، ينتصر الفلول أو المحتكرون ويعود زعماء الغبرة ليلوموا الشعب.