كنا فى مؤتمر فى أحد البلاد، وكان معى صديقى من الذين لا يضيعون وقتهم، همس لى بأنه عرف أن فى هذا البلد بقايا ديانات قديمة، تتشابك مع عبادة الشيطان وأنه قرر البحث فى هذه الظاهرة، ولم أهتم كثيراً بما قال, إلى أن رأيته ذات صباح فى حالة واضحة من القلق والخوف وهمس لى:
لقد رأيت الشيطان!
استعذت بالله وسألته مستنكراً:
وأين رأيته؟
قال:
فى الحلم!
شوحت له مستنكراً مسفهاً لما قال:
يا رجل أنا أيضاً رأيت فى المنام كل أنواع الشياطين وبن جوريون وجورج بوش ونتنياهو وزكريا عزمى وحبيب العادلى وعمر سليمان وحسنى فضل.
وقاطعنى متسائلاً: من هو حسنى فضل؟! فشرحت له مدى خطورته وكيف أنه قادر على أن يسوّد حياة أى شخص وهو يبتسم، ولم يكترث صديقى بخطورة حسنى فضل، ولذلك عاد إلى الحلم.
كنت غارقاً فى الندم عندما رأيته أمامى، ارتعدت حين قال لى: عرفت أنك تسأل عنى يا فلان، وسعدت بذلك لأنى متفائل بك تصور! السافل يقول إنه متفائل بى، وطلب منى فى نعومة أن أشارك فى عبادته، فصرخت فيه غاضباً: أجننت؟ لن يحدث هذا ولا بعد ألف سنة، ثم ألا تطلب ما يطلبه العقلاء؟! البشرية كلها مقصرة فى عبادة الله سبحانه وتعالى، فكيف تطلب مثل هذا الطلب وأنت من أنت، وأخذت أخفف عن صديقى:
أحسنت يا صديقى، لقد صفعته صفعة قوية، وأزهقته وأظن أنه لن يقترب منك بعد ذلك.
ثم طلبت منه أن يصف لى شكله، فالتفت يبحث بسرعة فى وجوه الموجودين وكنا آنئذ فى ردهة الفندق، وكأنما وجد ضالته فأشار إلى شخص قام من مكانه وخرج، صحت فيه: يخرب بيتك! هذا يكاد أن يكون نجماً سينمائياً هوليودياً وسامة وأناقة ويمشى كما لو كان راقص باليه، أخشى ما أخشاه أن يكون خدعك بمظهره هذا.
وحصل صديقى على عدة كتب، وتحدثنا أحياناً عما حدث، مع الوقت نسينا ما كان.
لكن فى الأسبوع الماضى أضيفت إلى معلوماتى: همسة الشيطان! وهى أشد فتكا من القنابل النووية.
وكما فهمتها يجىء إليك الشيطان -والعياذ بالله- فى شكل الشاب الوسيم وهذا ما أظنه، ويهمس لك بعكس ما تريد، فيعجبك ما لا توافق عليه، وتعد لارتكاب الخطيئة المطلوبة، ومن الغريب أن الملعون لا يستخدم أى نوع من المشروبات المسكرة القوية مثل التاكيلا أو الفودكا ولا الخفيفة مثل النبيذ، بل ولا حتى البيرة، ليس هذا فقط بل إنه لا يلجأ إلى معسول الكلام الذى يلجأ الجميع إليه طول الوقت.
فى الأسابيع القليلة الماضية ذهب الملعون إلى الداعية الحبيب على الجفرى وزين له أن يزور إسرائيل، ولقد رأيت الحبيب لأول مرة فى الحج منذ اثنى عشر عاماً، وكان يعظ الناس فى «مِنى»، تكدس الناس أمامه فى دور كامل من مبنى كبير، ويصل صوته بعد الميكرفون إلى ثلاثة أدوار أخرى مكدسة أيضاً بالحجاج، والجميع -تقريباً- ينشجون بالبكاء لما يذكره الداعية من حكايات ومشاعر بصوت عميق رخيم.
وبعدها جاء إلى مصر فقابل نجاحاً هائلاً، ثم قيل إن سلطات النظام السابق أبعدته لأسباب لم تكن واضحة.
وقال الجفرى إنه ذهب إلى إسرئيل لمساندة إخوته فى الإسلام، لعن الله الشيطان!
لم يتوقف عند هذا، بل همس فى آذان بعض الأقباط للذهاب إلى إسرائيل للحج فى القدس، وهكذا أثبت الشيطان أنه من أكبر أنصار التطبيع.
وكنا نفخر فى كل مكان بأن أقباط مصر يرفضون الحج حماية لعروبة فلسطين، وكان صاحب الفضل فى هذا الموقف الوطنى هو البابا شنودة، الذى عرفنا أخيراً أننا لم نعرف قدره، حتى ونحن نقدره.
ومازلت مثل غيرى أحس بوخزة فى قلبى لأن البعض رفضوا أن يقفوا دقيقة حداداً على رحيله.
وعندما أقامت نقابة الصحفيين مؤتمراً لتأبين المناضل محجوب عمر سارعت بحضوره كما يسارع أصحاب الحاجات إلى القادرين على تحقيقها، وعندما طلب منى صديقى -وصديق الجميع على ما أظن- محمد عبدالقدوس أن أتكلم طلبت الوقوف حداداً على محجوب عمر أو رؤوف نظمى عبدالملك.
ونأتى إلى الهمسة الشيطانية الكبرى، وهى ليست الكبرى لأهميتها بل لعبقريتها.
هذه الهمسة التى كشفها النائب ولست متأكداً أنه مازال نائباً، محمد أنور البلكيمى، فلقد حققت معه النيابة وهى طبعاً غير نيابة مجلس الشعب بل نيابة إمبابة متهمين إياه في قضية تجميل أنفه بالبلاغ الكاذب، وإزعاج السلطات، والاشتراك فى تزوير مستندات رسمية.
واستمر التحقيق عشر ساعات، وهو يرد على الأسئلة بإجابة واحدة: مش فاكر! واضطر أن يبرر ثباته على عدم التذكر بقوله: أصل مسؤولياتى كثيرة!
مثلك ومثلى ممن ليست لديهم مسؤوليات كثيرة لا ننسى أبدا، أنا مثلما أذكر عملية فى بطن رجلى منذ أربعة أشهر، طبعاً ليست عملية تجميل، شىء ما مثل «عين السمكة» مازلت أعرج وأتمنى أن يسألنى أحد، فلقد اكتشفت أن الجميع يكرهون المرض ولكن عندما يصابون به يحسون بالفخر!
المهم.. نعود إلى تحقيق عملية الأنف:
لابد أن وكيل النيابة ضاق بالتحقيق بعد عشر ساعات والمتهم يقول: مش فاكر! ولكن المثير أن محامى المتهم هو الذى تدخل: من فضلك يا أخى اعترف! وأظنها من الحالات النادرة التى طلب فيها المحامى من موكله أن يعترف بالتهمة.
اعترف البلكيمى بالقليل ولكنه فسر اللغز:
يمكن ده همس شيطانى!
اتضح لنا الموقف بعد طول غموض:
الشيطان الملعون أتى إلى البلكيمى وقال له:
يا حمادة مناخيرك مش عاجبانى، ولا تليق بنائب فى مجلس الشعب، والحل بسيط جداً، عملية مثل التى عملتها نانسى عجرم، تعرف ذلك طبعاً، ولكننى أعرف أنك ستقول إنك لم تسمع أغانيها.
وذهب النائب المحترم إلى المستشفى واتفق معهم على العملية، وكتب إقراراً، ودفع المعلوم، لكنه بالطبع لم يكن فى وعيه لأن الشيطان -على ما قال- همس له! وعندما يهمس لنا الشيطان نسير ونحن نائمون، ونتكلم ونحن غائبون عن الوعى.
لذلك أدعو برلمان الشعب إلى حماية نوابه المحترمين من همسات الشيطان! فلو تكرر ما حدث فسيكون كارثة قومية، وإذا كان لى أن أقترح فأنا أطالب بالتأمين على الأنوف العظيمة، ونحن نعرف قيمة أنف قيصر مثلاً، وتاريخ أنف مكيديرا، فلعل البركة تكون فى نوابنا ونعيد العصور الذهبية للأنوف.
كما أطالبه بالرجوع إلى تحقيق نيابة إمبابة فلقد قيل فيه إن النيابة تحفظت على الجزء المحذوف من أنف النائب المحترم، ومثل هذه الأجزاء قد تصلح لمتحف مهم.
ومن المفروض أن نشارك جميعاً فى حماية الأنوف حرصا على مصالح الوطن.. والبداية من همسات الشيطان!
وقال متحدث باسم إحدى الجمعيات الإسلامية إنهم أدركوا أن اختيارهم للانتخابات أولاً والدستور أخيراً كان خطأ، طيب وماله! همسة شيطان!
صحيح أن هذه الهمسة الشيطانية أوقعتنا فى موقف لا نحسد عليه، لكنهم سيحصلون على أجر لأنهم أخطأوا وكانت غايتهم أجرين، انظر إلى خسارتهم، أما نحن فلقد خسرنا الجلد والسقط.
وما حدث هو خلط الدين بكل شىء، وهو ما يحتاج إلى مراجعة.
الدين له مكانه المحترم فى قلوبنا وعقولنا ومؤسساته، أما فى السياسة والاقتصاد والحاجات اليومية فشىء آخر.
أريد أن أفترض مشهداً خيالياً:
حسين سالم يحاكم لأنه المهندس الأساسى لتصدير الغاز إلى إسرائيل.
الشهود من أمثالنا أى درجة المواطنة عادية، الوثائق متلتلة، وكان هناك شاهد نفى بالصدفة كان أحد علماء الدين الأفاضل، ويشهد -بصدق- أن حسين سالم طاهر وشريف ولا علاقة له بتصدير الغاز، كانت هذه معلوماته أو قدرته على إدراك ما حدث.
فى هذه الحالة ماذا تفعل المحكمة؟ هى تأخذ بالمستندات وشهادات أمثالنا من غمار الناس أم تأخذ بشهادة رجل الدين المحترم؟
ثم ماذا يحدث إذا اتضح أن الشيطان همس للشاهد المحترم؟!
أخشى ما أخشاه أن ينفجر الشيطان غضباً وهو يرى الجميع يلقون التهم عليه ويرتدون هم ثياب القديسين، إنه يؤدى مهمته بنشاط، ولكنه الآن لا يكاد يفكر فى شىء إلا ويجد من يسبقه ثم يترك له الفاتورة ليدفعها.
لا أحد يقبل الظلم حتى للشيطان، وتعالوا نحاول أن نعرف من همس؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر عزام
لعن الله شياطين الأنس
مقال أكثر من رائع لكاتب جدير بالإحترام
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد غالي
كلام في الجون
أحلي كلام يا مان
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم
رائعة و هذه قصة حقيقية اسردها لكم