كان حظى فى لقاء أحمد بن بيلا أول رئيس للجزائر، ما يزيد على ساعتين ونصف من الحوار المتواصل، كان اللقاء منذ ثمانى سنوات، وتم بواسطة الإعلامى الكبير أحمد سعيد، أطال الله عمره، وشمل محطات التاريخ، بدءا من قيادته لحركة النضال المسلح لبلاده ضد الاستعمار الفرنسى، ومرورا بمساعدات جمال عبدالناصر لها، حتى نالت الاستقلال عام 1962، وتوليه الرئاسة، ثم الانقلاب عليه بعد نحو عامين، وبقائه فى السجن 24 عاما متواصلة.
خرج بن بيلا من السجن ليواصل نضاله من أجل توحيد الرايات العربية المقاومة لإسرائيل والتبعية لأمريكا، وكان مشروعه الكبير هو التقريب بين الرؤى القومية، والاجتهادات الناتجة من قوى الإسلام السياسى، مؤكدا أنه لا فروق جذرية بين الاثنين.
حكايات نضاله فى لقائى به كانت كثيرة، وهى فى سجلات التاريخ الآن، لكن شروق وجهه وسماحته بدت لى وكأننى أمام شخص بلغ المنتهى فى تصوفه، فحين تحدث عن تجربة سجنه، قال: «لا أنظر إليها بمرارة، ولا أبغض أحدا، أنا ناضلت والعصمة لله، وعملت لبلدى، وحصلت على عقابى بالسجن 24 عاما إذا كنت أخطأت، وإذا كان من سجنونى أخطأوا فى حقى فليسامحهم الله».
تنقلت معه فى أرجاء الحجرة لزوم التصوير، وأمسك بيدى بحنان أبوى بالغ، ووقفت بجواره وهو يطل من البلكونة إلى مياه النيل بتأمل عميق، كانت مياهه تعكس شمس الأصيل، ووجهه المبتسم يكسر صمته، فسألته: «بما تشعر وأنت فى مصر!»، فتدفق قائلا: «أسير على أرضى، أتمنى أن أتحدث مع كل مصرى لأشرح له قصة مصر مع ثورة الجزائر وثورات أخرى، مصر كانت كل شىء، لم يكن معى شىء فى اليوم الذى جئت فيه للقاهرة، ولما وقفت أمام «قدرة» الفول، شعر صاحبها بى فأطعمنى مجانا، أخذنا السلاح والطعام من مصر لنحرر بلادنا، أتمنى لو أتم أيامى فى هذا البلد وأدفن فيه، مصر أنجبت أخى وصديقى وزعيمى الغالى جمال عبدالناصر، هو إنسان لم يكن معصوما من الخطأ، لكنه سيبقى ظاهرة نظيفة ومضيئة ونبيلة ولن تنساه الشعوب العربية والإسلامية والعالم الثالث»، رحم الله بين بيلا.