ثورة يناير هى ميلاد جديد للجماعة الوطنية المصرية، وهى تؤسس لمرحلة جديدة فى التاريخ المصرى، ومن بين أهم أهداف الثورة احترام دم الشهداء من الشباب الذين ضحوا من أجل نجاح تلك الثورة، ومحاكمة الذين قتلوهم، وعزل أولئك الذين شاركوا النظام السابق فى فرض التخلف والفساد والتبعية على البلاد.. قيم الثورة التى عبر فيها المصريون عن قدرتهم على التجمع والتوحد والتضحية من أجل هدف وطنى نحتاجها اليوم، وقد أطلت علينا وجوه الفلول الكئيبة بلا حياء لتقول إنها لا تزال بعد لم تعترف للثورة بشرعيتها، وهنا فإن العودة للميادين ليستعيد المصريون مشاهد الثمانية عشر يوما هى الرد العملى على هؤلاء الذين ظنوا أن الثورة قد خبت، أو أن المؤسسات قد نسختها.. قوى الثورة عليها أن تعيد اللحمة للجماعة الوطنية من جديد، وأن تقف خلف فريق رئاسى واحد يمثله الرئيس ومعه نائبان وعدد من المساعدين، وذلك لقطع الطريق على الفلول الذين جاءوا ليقولوا إن الثورة كانت حدثا هامشيا على مسار تاريخ المستبدين والظالمين والفاسدين والطغاة، وأنها لم تغير جوهر ما أسسه أولئك المجرمون.
تشهد الثورة منذ وقت مبكر تآمرا عليها، ولعل أهم وأخطر ما تعرضت له الثورة من تآمر هو أنها لم تصدر قانونا للعزل السياسى، بعد أن حكمت المحاكم المصرية بأن الحزب الوطنى أفسد البلاد وهزم العباد، وأنه لم يكن فقط جدران وحوائط وإنما كان يحركه بشر مفسدون، كان من الواجب أن يصدر قانون للعزل السياسى، يمنع على كل من شارك النظام السابق فى فساده أن يشارك فى عصر الثورة، أو أن يتولى مناصب فى النظام السياسى الجديد، وقد حدث ذلك فى تونس حيث حرمت القوانين الجديدة من أفسدوا الحياة السياسية من المشاركة فى نظام بن على بالحرمان من المشاركة فى الحياة السياسية، صحيح أن الشعب حاصر الفلول فى الانتخابات البرلمانية، بيد أن القانون الذى يصدر بالعزل كان سيرسل إشارة من قبل الدولة المصرية الجديدة أن النظام يتغير، وأن عصرا جديدا بدأ لا مكان فيه لمن شارك فى النظام السابق، وهذا ليس فيه تمييز أو ظلم، إنما هو عين العدل، فى تاريخ الثورات كلها لا يوجد مكان للمشاركين فى النظم السابقة الفاسدة، من جعل الفلول يتجرأون على الثورة وينزلون للتنافس على أهم منصب فى الدولة المصرية الجديدة هو مكر القابضين على السلطة، وأيضا تشرذم قوى الثورة التى سارعت بترك الميادين، الخط الأساسى الذى يجب أن تتعلمه قوى الثورة أن حماية الثورة لن تكون سوى بالتمسك بمنطقها وبدايتها، فالثورة بدأت من الميادين وإليها نعود دائما وقت الشعور بأن قوى التآمر تريد الإحاطة بها.
أكبر خطر يحيط بالثورة المصرية أن نظن أنها كانت أياما ثمانية عشر حسوما ومضت، الثورة هى فعل مستمر حتى بعد استكمال مؤسسات النظام السياسى، فحين لا تلتزم تلك المؤسسات بقيم الثورة وأجندتها ومطالب شهدائها لا بد من العودة مرة أخرى للميادين.