هل أصبح المصريون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإخوان أو الفلول، ألا يوجد خيار أو بديل ثالث أفضل؟. جربنا العام الماضى خيار العسكر وظهر أنهم يديرون البلاد بمنطق ومنهج مبارك، ولا يريدون استكمال الثورة، ومواقفهم امتداد طبيعى للفلول.
انتخب الشعب الإخوان والسلفيين رغم تخليهم مبكرا عن الثورة وتحالفهم مع العسكر فى استفتاء الدستور، والامتناع عن المشاركة فى المليونيات وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء. وشارك الإخوان والسلفيون فى حملة تشويه شباب الثورة الذين لهم فضل تفجير ثورة 25 يناير. وفى البرلمان استمرت أخطاء الإخوان والسلفيين وقدموا نموذجا متواضعا فى الأداء البرلمانى، ففشلوا فى حجب الثقة عن الحكومة، أو إصدار تشريعات تحمى الثورة، ونجحوا فى شق الصف الوطنى عندما شكلوا تأسيسية الدستور بطريقة المغالبة لا المشاركة، ورغم كل هذا الفشل استمر سعى الإخوان لاحتكار السلطة بأساليب متعجلة أوقعتهم فى أخطاء هائلة، فأعلنوا عن ترشيح الشاطر للرئاسة، وأجروا اتصالات مع واشنطن من وراء ظهر العسكر.
شهوة الحكم والتمكين أوقعت الإخوان فى أخطاء هائلة، وفتحت الطريق أمام احتمال الصدام مع العسكر، وعودة الفلول بقوة فى انتخابات الرئاسة، والحقيقة أن أخطاء الإخوان والسلفيين هى التى تدعم حملة عمر سليمان وتمنحها الحياة، فالإخوان لم يقدموا نموذجا سياسيا يجسد قيم الإسلام فى خدمة الناس والزهد فى السلطان، والوفاء بالعهود، ولم يغلبوا مصلحة الوطن على مصلحة الجماعة والحزب، ولم يقدموا فرصا حقيقية لكل أطياف المجتمع للمشاركة معهم فى كتابة الدستور، وبالتالى اتسعت دائرة الشكوك فى نواياهم، وعدم الثقة فى تصريحاتهم، بل الخوف من عدم قدرتهم على إدارة البلاد، هنا ظهر عمر سليمان فى عيون كثير من المصريين كمنقذ أو مخلص فهو رجل قوى وصاحب خبرة، وقادر على التفاهم مع الخارج.
طبعا الرهان على سليمان خاطئ تماما فالرجل كان جزءا من منظومة الفشل والفساد التى صنعها مبارك، لكن للأسف فإن أوهام البسطاء الباحثين عن الخبز والأمان تدفعهم لتأييد عمر سليمان كبديل مقنع عن المرشح الشيخ المتهم بالكذب، والشاطر رجل الأعمال الذى يعيد إنتاج تزاوج رأس المال والسلطة، والأنكى محمد المرسى الذى يلعب دور الاحتياطى!!
هكذا أصبح الناخب المصرى محاصرا بين مرشح رئاسى للفلول، ومرشح للإخوان أو السلفيين، وأعتقد أن البديلين لن يحققا الاستقرار أو الخير لمصر، مرشح الفلول سيعيد إنتاج نظام مبارك، ومرشح الإخوان أو السلفيين سيكرس انقسام المجتمع بين القوى المدنية والإسلامية، وسيؤدى إلى احتكار لكل سلطات الدولة يصبغها بلون دينى، كما يؤدى إلى عدم توازن فى النظام السياسى يثير شكوكا ومخاوف لدى عديد من أطياف المجتمع، حتى إنه أصبح من الصعب تماما إعادة العمل الجبهوى بين الإسلاميين والقوى المدنية.
إذن لابديل عن إيجاد بديل أو خيار ثالث أمام الناخبين، فمصر أوسع من خيار الإخوان أو الفلول، مصر تحفل بقوى سياسية وتيارات فكرية وسياسية وشخصيات وطنية جامعة تستطيع أن تدخل فى حوار منفتح وجاد لبلورة ملامح البديل الثالث، وهنا على القوى الوطنية أن تتجاوز أزمة التشتت والفرقة التى تعانى منها، وتتوافق على مرشح يمثل القوى المدنية، مرشح وسطى ومعتدل فى إسلاميته ومنفتح على كل أطياف المجتمع وكل تياراته الفكرية والسياسية. وأتصور أن هذا المرشح حتى لو لم يحقق الفوز فإنه سيكون علامة على بداية طريق تشكل تيار فكرى وسياسى ثالث، يلتزم بمدنية الدولة وبالإسلام المستنير والوسطى الذى تدين به أغلبية المصريين، وبقيم التحرر الوطنى والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة.