د. بليغ حمدى

الفلولية وكابوس العزل

الأحد، 15 أبريل 2012 10:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إلى هذا الحد من الخوف أصبحت فصائل كثيرة فى مصر تخشى الفلول، ذلك المصطلح العبقرى الذى أنجز عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، الأدهش أن المتهمين بالفولولية اكتسبوا قدراً رائعاً من الشجاعة السياسية فى مواجهة حملات معاً ضد الفلول، بل وأصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بأنهم جزء من نظام الدولة وليسوا رعايا تابعين لنظام سياسى بعينه.

فما رأيته وشاهدته عبر قناة صوت الشعب التى تنقل وقائع جلسات برلمان الثورة ما هو إلا نوعاً من الفزع المرتقب من عودة بروتوكولات النظام السابق متمثلاً تحديداً فى السيد عمر سليمان، أو الفريق أحمد شفيق، أو السيد عمرو موسى، وغيرهم ممن يتربص بالظهور مجدداً على المشهد السياسى.
وتكفى حدة المناقشات والمساجلات التى شاهدها المصريون فى الجلسة الاستثنائية لمجلس الشعب والتى انتهت بإقرار مشروع قانون يقضى بالعزل السياسى لكل من شغل أو عمل فى منصب رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس للوزراء أو نواب رئيس الوزراء أو الوزراء أو أمين الحزب الوطنى المنحل أو شغل منصباً بمكاتبه السياسية أو أمانته للسياسات وذلك لمدة عشر سنوات خلت من الحادى عشر من فبراير لعام الثورة المصرية المجيدة.

ولاشك أن مشروع هذا القانون سيعرض لاحقاً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوصفه السلطة التنفيذية المعنية بتطبيق القانون النظرى، وكم أتعجب من هذا المجلس الذى يصر الظهور بصورة تتسم بالاقحام المباشر فى المشهد السياسى دون تخطيط، وكأن لسان حال المجلس: أنا رد فعل لواقع مصر، أما المبادرة فإما من الميدان أو الإخوان أو عمر سليمان.

والحديث عن مشروع القانون الذى أجيز من المجلس فى جلسته المسائية وسط جذب وشد ومغالاة فى الاتهامات، يجعلنا قبل معالجته بالتحليل أن نلقى ضوءاً خافتاً على مجلس المرجعية الدينية أو برلمان الثورة أو مجلس الوطن.

فكنت أظن أنه بمجرد بدء عمل البرلمان سيختفى وهج البرامج الفضائية السياسية بسبب أن مجلس الشعب سيسطيع حسب وعود نوابه أثناء الانتخابات فى تحويل التراب ذهباً وفى جعل سمك البحر يقفز مباشرة إلى أفواه المواطنين، لكن هذا لم يحدث، بل هذا لم يحدث ولقد لعب المرشحون على قاعدة أن الشعب يعانى من فقدان الذاكرة التدريجى، وفى الوقت نفسه ارتدى المجلس ونوابه ثوب الفارس المغوار وهو يطعن الحكومة ممثلة فى وزرائها بشأن قضية التمويل الأجنبى فقط.

الأمر بات بطيئاً فى أداء المجلس، والمناقشات وطلبات الإحاطة واستجوابات النواب صارت أموراً روتينية معروفة، وكم كان مضحكاً أن تكون مشاكل الوطن هى مشاكل المجلس نفسه، بين رافع للآذان، ونائب يكذب، وآخر يشتم، ورابع يترك الجلسات ملوحاً بالرفض لرئيس المجلس، والوطن نفسه فى حالة عطش مستدام لارتواء مطالبه ومطامحه واحتواء مشكلاته التى تنفجر يومياً .

فمثلاً أين قضية أموال الصناديق الخاصة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء والتى تعتبر مرتعاً لإهدار المال العام من على أجندة المجلس؟ وماذا فعل النواب بالمؤسسات والإدارات التابعة لهذه الصناديق السوداء التى تستبيح جسد مصر طولاً وعرضاً والتى بدأ الحديث عنها فى كل مكان بأرض مصر إلا أن المجلس لا يزال فى اهتمامه بقضايا قطع العلاقات مع النظام السورى، وفى وجود بقايا فلول الدكتور فتحى سرور بالمجلس، وأين الحلول الحقيقية لمشكلات المواطن البسيط التى أبرزها اسطوانة الغاز، أو الحديث عن حدود وأطراف مصر التى فقدت الحياة ومظاهرها وأصبحت تحتضر وسط صمت طويل من المجلس دون تشريعات بحقها، وأين مواجهة البلطجية بصورة مباشرة دون استضافة وزير الداخلية بصورة توحى بأنه موظفاً فى المجلس من كثرة تردده على الجلسات التى احترفت استجوابه.

وإذا عدنا لموضوع القانون المُجاز من المجلس، فالأعضاء الذين انبروا بتدشينه لابد وأنهم يخشون استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل فى حل مجلس الشعب وهذا سيجعل فصائل الإسلام السياسى التى صعدت وتسيدت المشهد السياسى فى مصر بمنأى بعيد جداً عن هذا البناء الموجود بشارع قصر العينى، فلقد علمت فصائل الإسلام السياسى أن المواطن قد استفاق مؤخراً ولن يهرول ثانية نحو الصناديق وغزواتها.

أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين التى لم تنل حتى لحظتنا الراهنة شرعية الوجود الرسمى من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية اللهم إذا كانت الدكتور نجوى خليل التى تصدر قرارات عشوائية غير مدروسة بشأن جمعية الشبان المسلمين قد منحت صك الغفران أعنى وثيقة التواجد الرسمى والشرعى للجماعة. فهذه الجماعة تخشى أن ينالها سهم الحظر من جديد على يد أحد منتقمى الفلول كما يزعمون ويظنون ظن السوء.

وبالنسبة للجماعات الإسلامية والتيارات السلفية التى ظلت مختبئة فى جحورها خوفاً من بطش اللواء حبيب العادلى وكبار مساعديه فهم أنفسهم بدأوا يتنسمون نسائم الحرية والعدالة أيضاً وشرعوا فى البناء والتنمية والإصلاح وفقاً لمرجعياتهم وأيديولوجياتهم الفكرية، وأيضاً بناء معسكراتهم التاريخية ولكن هذه المرة على مرأى ومسمع من المجتمع.

فهؤلاء أيضاً يخشون ويفزعون من عودة النظام البوليسى الذى كان يتتبعهم ليل نهار وكانوا خير زبائن لمعتقلات أمن الدولة سابقاً، هذا فى حالة واحدة أن يعتلى سدة الحكم رجل من رجال مبارك ويقوم بتنفيذ وصيته غير المؤكدة بتصفية الشعب الذى ثار عليه، وإن بعض الظن إثم.

حتى التيارات الليبرالية التى راهن عليها المجلس العسكرى فى معركته الخفية ضد الإخوان أو فى مناورات استثنائية مثل جنسية والدة المرشح السلفى حازم صلاح الذى تؤكد زوجتى لى أنها كانت تشاهد برامجه مرتدياً الجلباب الأبيض وطاقية الرأس وأقسم لها أنه لم يعرف للجلباب طريقاً، اللهم إذا كان قد أجرى مسخاً للهوية على طريقة جماعة الإخوان المسلمين التى تركت اسمها وشعارها التاريخى الإسلام هو الحل وتدثرت فى قناع جديد اسمه الحرية والعدالة، وكأنها بذلك تدفع عنها ذنباً أو إثما اقترفته، والله أعلم بمظانهم المخبوءة، شاركت فى صياغة قانون العزل.

وبلغة فقهية وأنا بحكم تخصصى فى التربية الدينية الإسلامية واللغة العربية دراسة وتعلماً وتدريساً أيضاً أعرف أن مصطلح العزل هذا مواضعة فقهية مأخوذة من الشرع وهى حالة بين الرجل وزوجه تحدث خشية الإنجاب، وكان يحدث أيضاً هذا العزل بين السيد وإحدى سرائره المتعددات، ولكن هناك فرق كبير جداً بين المرأة الزوجة الحرة، وبين الجارية أو تلك التى يتسرى بها سيدها وولى نعمتها، فالأولى لابد من أخذ إذنها فى هذا العزل لأنها تملك قرارها أن تنجب أم لا.

أما الثانية فلا يجوز لها ذلك، بل كتب التاريخ الإسلامى تشير إلى أن بعض خلفاء بنى العباس وكذلك سلاطين وأمراء الخلافة العثمانية يعزلون خشية أن تلد الأمة سيدها ويكون هذا مؤشراً لشرائط الساعة.

وفى حالتنا المصرية الراهنة لم يتم ذلك الإذن بالعزل، لأن هؤلاء المتهمين بالفلول على رأى أستاذنا المفكر خالد محمد خالد مواطنون لا رعايا، وليت هؤلاء الذين هرولوا وراء مطامح ربما تغدو شخصية فى انتزاع الموافقة لمشروع كهذا أن يدركوا بأنهم يزيدوا من فرقة هذا الشعب، ومن توسيع الهوة السحيقة بين فصائل سياسية ودينية وأخرى انتمت للنظام السياسى السابق وآخرين انضموا للحزب الوطنى المحل الذى ربما سيأتى يوم لا يعلمه إلا الله يعود من جديد فى صور شتى مثله مثل الجماعة المحظورة التى بدت للنور وكأنها لم تغادر ضياءه يوماً واحداً.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة