ترشح عمر سليمان، نائب الرئيس المخلوع مبارك، فى اللحظات الأخيرة لرئاسة مصر، والصخب الإعلامى الذى صاحب هذا الترشح، يكشف عن أشياء كثيرة تحدث خلف كواليس الساحة السياسية فى مصر، منذ عزل مبارك حتى الآن، فلقد كان الكثيرون يتوقعون أن يَمثُل عمر سليمان للمحاكمة بجوار أركان النظام السابق، باعتباره ركناً رئيسياً وهاماً فى هذا النظام، لكنه ذهب واختفى لعدة أشهر، ثم عاد ليظهر بقوة على الساحة.
وما حدث خلال فترة اختفاء سليمان كان يمهد بالفعل لعودته، حيث كان المشهد على الساحة يمثل انقضاضاً واضحاً على الثورة المصرية، وتشويهاًَ كبيراً لسمعتها، وحملات مكثفة لجعل الشعب المصرى يكره الثورة، ومن قاموا بها، فقد تم إظهار الثوار بأنهم بلطجية وشبيحة ومجرمين وخارجين على القانون، ووصل الأمر أكثر من مرة لضربهم وسحلهم فى الشوارع وقتلهم وسجنهم ومحاكمتهم عسكرياً، ورافق هذا عمليات ترويع وترهيب للشعب منظمة ومرتبة بتوقيتات وإجراءات متشابهة، كما جرت عمليات تخريب للأمن لا يمكن أن يقوم بها مجرمون عاديون، مهما كانت قوتهم ودرجة تنظيمهم، الأمر الذى كشف للجميع عن وجود جهات كبيرة ذات نفوذ قوى فى الدولة تقف وراء هذه العمليات.
ومن الواضح أن هذه الجهات على ثقة تامة من أن أحداً لن يمسها ولن يقترب منها، ورافق هذا كله صعود غير عادى للتيار الإسلامى السياسى بفرعيه، الإخوان والسلفيين، هذا الصعود المصحوب بنهم شديد للاستحواذ على كل شىء فى البلاد، وهو الأمر المحير فعلاً، لأنه ليس من المعقول أن يقدم هذا التيار، وهو الأقدم تاريخياً على الساحة، على الانتحار السياسى، وهو يعلم جيداً أنه غير مؤهل على الإطلاق لتحمل مسئولية الحكم فى مصر فى مثل هذه الظروف العصيبة، وأنه حتماً سيفشل فى مهمة الحكم وسيفقد شعبيته وسيفقد حتى ثقة أعضائه وأنصاره فيه، وأن من الأفضل له مشاركة القوى الأخرى معه فى الحكم، الأمر الذى يوحى بأحد احتمالين، إما أن يكون التيار الإسلامى السياسى، بفرعيه، قد أصابه بالفعل فيروس شهوة السلطة والحكم، والاحتمال الثانى أن يكون هذا التيار جزءاًَ من المخطط الذى يدار خلف الكواليس للانقضاض على الثورة المصرية، وكلا الاحتمالين قائمان، ويصعب ترجيح أو استبعاد أحدهما.
السؤال المحير هو، من أين استمد عمر سليمان ثقته للترشح للرئاسة؟.
والحقيقة أنه لا إجابة عن هذا السؤال حتى الآن سوى أن سليمان اقتنع وتيقن من أن الثورة المصرية قد انتهت بالفعل، وأن ميدان التحرير تم إغلاقه وللأبد فى وجه الثوار، كما أنه اقتنع تماماًَ بأن القوى السياسية الموجودة على الساحة الآن لن ترفضه ولن تتهمه بأنه من "الفلول"، وأنه جزء لا يتجزأ من نظام مبارك، هذه الاتهامات التى يوجهها الجميع لسليمان، حتى خارج مصر، وحتى فى واشنطن، التى تدعمه تماماً، حيث كتبت صحيفة "واشنطن بوست" تصف سليمان بأنه رجل نظام مبارك القوى، وقالت بصريح العبارة، إن عودته هى عودة لمبارك ونهاية للثورة المصرية، ورغم هذا نجد القوى السياسية المسيطرة على الساحة فى مصر الآن لا تعير أى اهتمام للأمر وتتعامل مع سليمان على أنه مرشح عادى للرئاسة، وكان أولى بمجلس الشعب، الذى يدعى أنه يمثل ثورة الشعب المصرى، والذى حشد كل طاقاته لإسقاط حكومة الجنزورى، لأنها لا تمثل الثورة، كان أولى أن يتصدى لترشح عمر سليمان للرئاسة، ويعتبر ذلك خيانة لثورة الشعب، لكنه لم يفعل ذلك، ولم يقدم أية اعتراضات على ترشحه.
على ما يبدو أن خيوط المؤامرة على الثورة المصرية قد بدأت تتكشف بوضوح، وأن هناك جهات أجنبية تقف وراء هذه المؤامرة، وأن هناك داخل مصر من يشارك فى تنفيذ هذه المؤامرة منذ بدايتها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمديوسف
المنافقون
عدد الردود 0
بواسطة:
حمدي عجيزة
مجلس العار