حلمى النمنم

مطاردة سور الأزبكية

الأحد، 15 أبريل 2012 04:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
زرت مؤخراً سور الأزبكية بعد انقطاع دام عدة أشهر، كنت أبحث عن كتاب قديم أصدره أستاذنا الجليل د.توفيق الطويل وقدم له الشيخ مصطفى عبدالرازق عن «الأحلام فى الإسلام»، صدرت طبعته الأولى منتصف الأربعينيات، ولم يطبع ثانية، وقد هالنى حال السور.. فقد حاصرت محافظة القاهرة باعة السور أو «الكتبجية» فى مكان ضيق بمدخل محطة مترو الأنفاق بالعتبة، ولذا فإن من يدخل المحطة أو يخرج منها يمر بأكشاك الكتب، ومع شدة الزحام وكثرة المواطنين لا تجد موضعاً لقدميك كى تفتش عن كتاب أو تتأمل الكتب، وفى العام الأخير مع الانهيار الأمنى، امتلأ المكان بالباعة الجائلين، يفترشون المنطقة ومداخل المحطة ومخارجها، بنداءاتهم المرتفعة والزحام حولهم، والأخطر بمعاركهم وشجارهم الدائم، وهكذا بات الذهاب إلى ما كان يطلق عليه سور الأزبكية مرهقاً للغاية ومحفوفاً بالمخاطر والمحاذير.

منذ سنوات التسعينيات الأولى، وقبل عشرين عاماً بالتمام والكمال، بدأ مسلسل نشر القبح فى ميدان العتبة، حين سادت الجهالة بالشره المالى، فتقرر بناء جراج سيارات، مكان مبنى دار الأوبرا القديم - تصوروا البديل - ولتحقيق ذلك جرى طرد باعة الكتب ونقل سور الأزبكية من موقعه التاريخى، وجرى كذلك هدم بعض الأماكن الأثرية، مثل مقهى «ماناتيا»، الذى كان لا يجلس عليه الأفغانى ويعقوب صنوع وأديب إسحاق وسعد زغلول وغيرهم وغيرهم.. وبح صوتنا يومها مطالباً بالتريث والحذر، واحترام القيمة التاريخية للمكان، لكن بعض من كان بيدهم الأمر وقتها، مثل محافظ القاهرة، ومن هم على نفس الشاكلة، أطلقوا ابتساماتهم الصفراء وأشاهوا بجهالة، معتبرين تحذيراتنا كلام مثقفين بما يحمله ذلك التعبير من جهالة لدى من يطلقونه، وحدث ما حدث وتحولت العتبة الخضراء من رئة للجمال بالقاهرة ومزار لزوارها من مثقفين وكتاب وعلماء كبار، لتصبح وكراً أكبر للقبح وللعشوائية، أصبحت مجرد جراج يعج بالمتسولين والباعة الجائلين والبلطجية واللصوص.

فى نقل سور الأزبكية وباعة الكتب القديمة من مكان إلى آخر، اقترح الزميل سمير سرحان استضافتهم على كورنيش النيل أمام مبنى دار الكتب والوثائق.. فانبرى محافظ القاهرة محذراً ومدافعاً عن اختصاصه، فالكورنيش ليس للكتب إنما يختص فقط للمحظوظين، يؤسسون النوادى ويقيمون الأبراج عليه.. ذهب السور بالباعة إلى منطقة الدراسة، ثم جاءت مؤسسة أغاخان لتنفذ فى المنطقة حديقة الأزهر فأعيدوا ثانية إلى منطقة نائية ومختنقة بالعتبة، يذهب محافظ ويجىء آخر، يضبط رئيس حى بالفساد ويطرد فيجىء من هو أفسد منه، والكل بجهالة وبفساد يستأسد على سور الأزبكية حتى انتهى إلى ذلك الموقع الذى لا يليق بالسور ولا بتاريخه.

لم يقتصر الأمر على هذا الحد، ذلك أن إدارة الحى أبلغت باعة الكتب أن عليهم مغادرة أماكنهم وأن يبرحوها إلى مكان آخر، خلف الباعة الجائلين، ودون بوابة مباشرة على الشارع، رغم أن هناك سورا يمكن فتحه، لكن «الضرورات الأمنية» التى يقررها السادة المسؤولون بالحى وبالمحافظة تحول دون فتح باب، ومن ثم صدر القرار بأن ينتقل الباعة والكتب ومعهم من يريد البحث عن كتاب إلى سجن حقيقى، سبب النقل طبقاً للمسؤولين بالحى أن الجمعية الشرعية لها مسجد هناك، وتريد الجمعية استغلال المكان لبعض الأنشطة الاجتماعية، فوجدت الجمعية آذاناً صاغية ولساناً يقول «شبيك.. لبيك.. السمع والطاعة يا جمعية، أما شياطين الكتب فلتذهب إلى الجحيم رجماً..!!».





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة