كلنا بنحب مصر، ولكن مصر بتحب مين؟ مناضلون وثوريون ووطنيون، والجميع قاموا بالثورة، ومهدوا لها، وشاركوا فيها، ودفعوا الثمن، الجميع لا يبتغون مصلحة ولا يسعون إلى سلطة، ولكنهم يبتغون وجه الله الكريم ومصلحة الوطن وكرامة المواطن، صادقون لا يكذبون، أفعالهم لا تتناقض مع أقوالهم، الثورة هدفهم، والوطن مقصدهم، وسعادة الشعب هى ما يهدفون إليه، الجميع بقايا النظام الساقط وفلول الحزب المنحل وزبانية مبارك ومؤيدو توريث الوريث، الكل ناضل ضد النظام الفاسد وتصدى بجبروته، ودفعوا الثمن، وشركاء النظام الساقط كانوا ضده وحاربوا التوريث، ونصحوا بحل المجلس المزوّر، وكانوا لا يصمتون لحظة بعيداً عن الحديث عن مطلب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فالجميع مع الثورة، وحام لها، ومدافع عنها، سبحان الله، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا توقفت مسيرة الثورة؟ وقد أصبحت روحا هائمة تبحث عن جسد، فعثرت على جسد توفى وتحلل وأصبح ترابا، من المسؤول عن هذه الفوضى التى عمت كل الأرجاء وتخطت كل الحدود، حتى كفر المواطن الفقير الغلبان الذى كان يحلم ويحلم بأن يجنى بعض ثمار هذه الثورة التى كان يحلم بها، فوجدها سرابا وقبض الريح؟ فمن المسؤول عن نشر وانتشار الوهم بأن الثورة قد نجحت، وأن النظام قد سقط فترك الجميع الميدان؟ من الذى فجر هذه الخلافات، وأشعل تلك المعارك بين دستور أو انتخابات، بين دولة دينية أو علمانية، بين دستور قطاع خاص أو دستور لكل المصريين؟ لماذا كان هذا الشقاق وهذا الخلاف وذاك التشرذم والصراع على كعكة لم تنضج بعد بل لم توجد فى الأصل؟ كيف يزعم الجميع بأنهم ثوار وأنهم قد أسقطوا مبارك وهم بدون تنظيم ثورى الشىء الذى كان يجعلهم فوراً يعملون للاتفاق على تشكيل لجنة أو جماعة ثورية أياً كان المسمى حتى يديروا الثورة ويحافظوا عليها مستندين إلى الحشد الثورى الذى كان طوال الثمانية عشر يوماً؟ بالفعل هل كان هؤلاء الثوار الذين قد تصدروا المشهد السياسى والإعلامى باعتبارهم الآباء الروحيين للثورة متفقين ومتضامنين أم مختلفين ويتصارعون منذ اللحظة الأولى؟ وهل كان الخلاف المعلن فى الميدان وعلى الملأ بين صباحى والبرادعى على الزعامة هو دليل على التوحد الثورى؟ وهل كان من مستلزمات الثورة ونجاحها استغلال الدين والتدين والمتاجرة بالعواطف الدينية لحصد مكاسب شخصية ولتحقيق مصلحة حزبية؟ وهل الثورة والدين يجعلاننا نمارس هذا السلوك الانتهازى الذى تخطى كل الحدود، فبعد المشاركة فى الثورة، وبعد التأكد من جديتها، نغادر المناخ الثورى ونرفع شعار الدولة المدنية ثم بعد المشاركة نقول مدنية بمرجعية دينية وبعد التمكن تصبح دولة دينية واللى مش عاجبه يروح يدور على ثورة ثانية؟ هل الثورة والحفاظ عليها فى ظل هذا الوضع الاستثنائى الذى يتطلب توحد وتضامن الجميع لتحقيق الثورة يجعلنا نبدل المشاركة بالمغالبة، ثم يتم الاستحواذ على أى شىء، وكل شىء؟ وهل الثورة تعنى أن نبدل نظاما بنظام مماثل أو نغير أشخاصا بأشخاص أو المقصود هو استمرار الاستبداد باسم الدين بدلا من الاستبداد بقهر الأمن، وإذا كانت شعارات الثورة هى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، فهل يمكن أن تتحقق هذه القيم بدون قانون يسرى على الجميع بدون استثناء؟ وهل ما يتم الآن له علاقة بأى قانون أم هو إسقاط وسحق للقانون؟ وما علاقة لى الذراع والغرور والاستكبار والإقصاء بالقانون؟ وما هى حكاية الاستقواء بالدين على المدنيين؟ وما علاقة الدين والثورة والقانون بتحدى القانون وبالاعتداء على المحاكم والقضاة وترهيبهم لفرض غرض ولتحقيق مصلحة؟
وما هى حكاية ما أريد لابد أن يتحقق أو الشهادة؟ فهل هذه هى الثورة والثورية والحفاظ على مصر وشعبها؟ كفى نفاقا ثوريا، فالثورة لا تتحقق بالنفاق ولا بإسقاط القانون ولا بلى الذراع أو استغلال الدين، الثورة هى هبة جماهيرية لرد الظلم، والقمع، والاستبداد، وهذا لا يتم بغير كسر حاجز الخوف، وهذا كان أهم مكاسب ثورة يناير، فاحذروا الثورة الثانية التى لن يقف فى وجهها مثل هذه المواقف الانتهازية الشخصية الذاتية، فمصر ستظل دائماً لكل المصريين.