للطغيان علامات، وللعدالة علامات، ولمقاومى الطغيان مرسخى العدالة علامات، ولمستعذبى الطغيان مناهضى العدالة علامات، لكن المعضلة الأساسية تكمن فى الـ«مشتبهات»، فمن السهل اليسير أن يُلبس المزيفون الحق بالباطل والباطل بالحق، وأن يقنعوك بأنهم لا يريدون إلا حقا، وما هم إلا رسل الشيطان وأتباع الهوى، ومن السهل أيضا أن تعتبر المصلحين الأنقياء مفسدين فى الأرض إن أسلمت وجهك للتضليل وأخضعت روحك للاستكانة والملل والكسل، فالضلال سهل قريب، لا يجهد الجسد ولا يتعب العقل ولا يشغله، أما الحق فمثل عروق الذهب فى جوف الجبل، لاستخراجه يتغرب المرء ويجهد، مرة فى البحث عن المنجم الحقيقى، ومرة فى العثور عن نفيس المعدن، ومرة فى استخراجه، ومرة فى تنقيته وصياغته، ومرة فى تطويعه وتشكيله، ولا تظن أن تلك الرحلة الشاقة هى آخر ما يتبقى من متاعب لتعرف أن الذهب ذهبا ولتميزه عن غيره من رخيص المعادن، فمن السهل بعد كل هذا أن تتعامل مع هذا الذهب وكأنه لا شىء أو كأنه زيف محض، إذا ما كان المعروض من الذهب المغشوش كثيرا، ووقتها عليك أن تصبح خبير نفسك ومرشدها كى لا يضللها الأفاكون.
طويلة هى الرحلة، وشاقة أيضا، ومتعبة ومجهدة، لكن هذه هى الشروط الحقيقية لاستحقاقك الأمانة التى أبت الجبال أن تحملها وحملتها أنت، وإلا أصبحت مثل الكائنات الهامشية فى الكون التى لم تجرؤ على حمل الأمانة فسخرها الله لك وسيدك عليها، ولاجتياز هذه الرحلة عليك أن تتقوت من زاد لا يفنى، وأن تحصن نفسك من التيه، وما الزاد إلا العلم والثقافة والاستزادة من كل ما ينفع، وما الحصن إلا الانفتاح والتعرف وكراهية التعصب، فالثقافة تصقل الروح وتثقلها وتحدد مسارات المعلومات وتختبرها، وكراهية التعصب هى الجديرة بأن تجعلك كتابا مفتوحا، لا تتعامل مع الآخر باعتباره عدوا حتى وإن كان يمقتك، وإنما باعتباره خبرة إنسانية مضافة، تعرف من عدوك مزاياك، وترى بعين مكبرة مزاياه، كما تخبرك بنقاط ضعفك، وتدفعك لاستغلال نقاط ضعفه، وبذلك لا يكون النصر فقط هو حصيلة المعركة، وإنما المعرفة أيضا، كل ذلك إن كان الآخر عدوا حقا، فما بالك إن كان هذا الآخر قريبا وحبيبا وصديقا.
الثقافة هى التى تجعلك كيانا آدميا فاعلا، خليقا بأن تكون خليفة الله على الأرض، وهى التى تجعلك كالجبال الرواسى التى لا يؤثر فيها ريح، ولا ينال منها مطر، وقال الله تعالى عن فرعون إنه «فاستخف قومه فأطاعوه فكانوا قوما فاسقين»، ولم يكن لفرعون أن يستخف قومه إلا بعد أن يحيطهم بالجهل، ويؤثرهم بالوعود، ويحرمهم من الروافد الثقافية الأخرى التى تبصر عيونهم وتشفى نهمهم إلى المعرفة، بل إن الله لم يعذرهم ولم يعتبرهم ضحايا أو مساكين وإنما اعتبرهم «فاسقين» أيضا، لأنهم حرموا أنفسهم مما أتاحه لهم.
الثقافة لا تضيف معلومة ولا تهذب الروح وتصقل الرؤية فحسب وإنما تتوغل فى الوعى وتجعل كلامك رحبا يتسع للآخر بلا مشقة، فترى المثقفين الحقيقيين يطعمون خطابهم المتماسك بمقولات على شاكلة «من وجهة نظرى» أو «فى اعتقادى الخاص» أو «أنى أرى أن» وذلك لإفساح المجال لكلام المخاطب الذى ربما يكون مختلفا فى «وجهة النظر» أو «الاعتقاد» أو «الرؤية» أما المستبدون الجاهلون الذين يعانون من التهلهل الفكرى والنظرى والعقلى أحيانا فلا نلمح فى كلامهم ما يدل على وجود الآخر من الأساس فنراهم يقولون ما يصدرونه باعتباره «الحق» و«اليقين» و«القول الفصل».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
الا يستخف ابو اسماعيل بعقول البسطاء من الناس
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد عبد الله
ياواد يامؤمن ... !
عدد الردود 0
بواسطة:
أم سها
تريد أن تقول
عدد الردود 0
بواسطة:
apollo
فصول محو امية
عدد الردود 0
بواسطة:
Abu Ahmed
اهديه يا رب
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
خرج او اسماعيل من سباق الرياسه...فهل سيحلق اللحيه
عدد الردود 0
بواسطة:
KHALED
مع التعليق رقم 2
عدد الردود 0
بواسطة:
هدى
إلى التعليق رقم 3
عدد الردود 0
بواسطة:
هدى
الى التعليق رقم 5
عدد الردود 0
بواسطة:
برضو هدى معلش
الى السيد محرر التعليقات