الكل يعترف الآن بأننا قد سرنا فى طريق وصل بنا إلى طريق مسدود، ووضع البلاد فى مأزق سياسى نتيجة اختيار إجراء الانتخابات البرلمانية أولا وتأجيل الدستور، وإجراء استفتاء على عجل ودون تحضير جيد وعلى تعديلات دستورية محدودة، فهم الكل أنها على دستور 1971، وأنها حين الموافقة عليها ستعاد مرة أخرى إلى الدستور ويتم العمل بدستور مصر الدائم الصادر عام 1971، إلا أن رغبة التيار الإسلامى بإقصاء القوى السياسية وتحقيق استيلاء واسع وشامل على كل السلطات لاسيما أنه استطاع تعبئة الرأى العام فى الاستفتاء على الدستور وكان التصويت بنعم هو التصويت على الهوية الإسلامية للدولة المصرية والتصويت بلا كما يريد أنصار الدولة المدنية هو نزع هذه الهوية، وما كان هذا يتم إلا بإجراء التعديلات الدستورية التى تخدم هذا الاتجاه، وبالفعل يمكن هذا التيار بالتعاون مع المجلس العسكرى فى تشكيل لجنة إعداد التعديلات الدستورية من أنصارهم فقط.
والاعتراف المتأخر بالخطأ لا ينفى القصد العام المتوافر لديهم فى الرغبة فى السيطرة على مقاليد البلاد تحت عنوان خطة تسمى «التمكين»، ومن يذكر كانت هذه الخطة جزءا من مستندات ضبطت لدى قيادات الإخوان المسلمين أثناء القبض عليهم فى قضايا المحاكمات التى تمت لهم والخاصة بالانتماء إلى جماعة أسست على خلاف القانون، وتأكد هذا الآن فى الخطاب العام لقيادات الجماعة وبالتحديد المرشد العام للإخوان المسلمين، أما على مستوى التطبيق فلاشك أن إدارة الانتخابات البرلمانية فى المرحلة الانتقالية والرغبة فى الاستحواذ والسيطرة واضحة للعيان، وما انتهى إليه الأمر من سيطرة تصل إلى %65 فى البرلمان و%75 فى مجلس الشورى، ثم الحصول على أغلب رئاسات لجان مجلس الشعب، ثم السيطرة الكاملة على الجمعية التأسيسية للدستور، والإصرار على الحصول على %62 من إجمالى مقاعد الجمعية واستخداما للأغلبية فى المجلسين، وأخيرا المطالبة بتشكيل الحكومة. ويؤيد هذا أنه قد أعلنت الجماعة انتهاء الشرعية الثورية وشرعية الميدان، وأن الشرعية الآن للبرلمان.
الآن يعترف الإخوان بالخطأ ويعودون للميدان لكن هذه المرة للضغط على المجلس العسكرى للحصول على مكاسب وتسهيلات لخطة التمكين وليس اعترافا بخطأ المنهج والمسار. فالضغط الآن على المجلس العسكرى ليس الهدف هو تحقيق أهداف الثورة أو استكمالها، وإنما لإزالة العقبات التى واجهت مشروع التمكين، لذلك أعتقد أنه من المهم أن نتمسك بدور المجلس العسكرى لكى يحمى الدولة المصرية من سيطرة تيار دون موجب أو منطق، وأن يكون على مسافة واحدة من كل التيارات والقوى السياسية، وأن يعمل على ضمان الانتقال الديمقراطى إلى دولة سيادة القانون وأول هذه الضمانات:
أولا: أن يتم تشكيل الجمعية التأسيسية وفقا لمعايير التمثيل المتساوى للقوى السياسية والاجتماعية المصرية، ووفقا لمعيار الكفاءة.
ثانيا: ضمان أن تجرى الانتخابات الرئاسية، وفقا لمعيار الشفافية، وعدم التهاون مع القيادات فى الإنفاق المالى أو الدعاية الانتخابية.
ثالثا: ضمان أن يتم إنجاز الدستور المصرى قبل الانتخابات الرئاسية، وإذا تعذر ذلك تجرى الانتخابات الرئاسية ويتم إجراء تعديلات على دستور 1971 ويسمى الدستور المؤقت، على أن تستمر اللجنة الدستورية فى العمل على إنهاء الدستور الدائم خلال مدة سنتين، تجرى مناقشات مجتمعية حول الدستور الجديد، فالمجلس العسكرى هو الضامن والحامى للدولة المدنية ولا يجب أن ننساق فى المعارك ضده، ذلك أن جزءا من خطة التمكين الاستفراد بالقوى المدنية وحصارها وتمكين قوى المجلس باعتباره الآن يمثل سلطة رئيس الجمهورية، هذا التوازن المفقود يجب أن نستعيده.