صديقنا المشاغب كان مستاءً من كثرة عدد المرشحين، فى تلك الليلة التى غضب فيها من كثرة عددهم كانوا ثلاثة عشر مرشحًا، ولا أدرى كم عددهم الآن رغم التأكيد بأن هذا العدد نهائى، بعضنا يستريب فى كل شىء لذلك يتوقعون إبعاد أو ابتعاد شخص أو أكثر، أما إضافة شخص جديد فهى مستحيلة بحكم كل القوانين، ولكن القوانين نفسها لم تعد مقدسة كما كانت.
صديقنا المشاغب قال إن دراسة المرشحين واختيار أحدهم يحتاج إلى سنوات، ورد عليه أحدهم بأننا عادة نختار واحدًا ثم نبحث عن صفات لنؤكد لأنفسنا أنه الأفضل، مثلًا لو أن واحدًا يميل إلى الحرية والعدالة من الممكن أن يختار فورًا مرسى، قاطعة صديقى وتساءل: من مرسى!! ورد عليه صاحبنا: مرسى يا أخى! وابتسم الموجودون بين متسائلين من مرسى! وآخرين يؤكدون: مرسى يا أخى!
لم يتحدث أحد عن برامج المرشحين لأن المرشحين لم يقدموا برامجهم بعد، وأظن أن معظهم لن يقدم برامج، فكله بالصلاة على النبى.
وأخشى ما أخشاه أن يلجأ بعضهم إلى العاطلين من أنصارهم ويكلفون أحدهم بكتابة البرنامج، فيدبج عشر صفحات بكلام مرصوص، يصفق له أى شخص، ولكن لن يستفيد منه أى شخص.
وعاد صديقنا يقول إن اختيار الرئيس مزاجى، فإذا رأيته يخطب بطريقة ممتازة اخترته، إذا قابلته صدفة عند باب فندق وابتسم لك سترى أنه رئيس عظيم، إذا تحدث وذكر أحمد عرابى بالخير وأنت تحبه فهو الزعيم المرجو، وإذا ذكر المتنبى وكنت فى محبى الشعر، فهو الرئيس المثقف.
ربما هذا الحديث هو الذى أوحى إلىّ بفكرة الكتابة عن الرؤساء المرشحين الذين أعرفهم أو على الأصح الذين قابلتهم وتحدثت إليهم فى مناسبات مختلفة، وحددت أربعة من المرشحين، قلت لنفسى: يجب أن تفخر بمقابلة أربعة رؤساء محتملين، هذا لا يحدث فى بعض البلاد، وذكرت نفسى بأننى حضرت ملكا وخمسة رؤساء لم أقابل وأتكلم إلا مع واحد منهم، ثم إن رئيسًا يختلف عن غيره، فالرؤساء القادمون من اختيارنا أو نزعم هذا.
وبمجرد أن فكرت فى الكتابة عمن رأيتهم أو عرفتهم من المرشحين وقعت فى مشكلة هى كيف أرتبهم رغم أنهم أربعة، فكرت فى الحروف الأبجدية لكننى لا أكتب موسوعة، لذلك رتبتهم حسب تواريخ التعرف عليهم.
1 - حمدين صباحى
تعرفت به بالطريقة المصراوية، فى أوروبا يقدمون لك الشخص ويقدمونك إلى الشخص، هنا تعرف الآخر دون بداية واضحة، لا أدرى من قابلته إنما كنا نلتقى كثيرًا، كان لافتًا للنظر من أول لحظة جديته الشديدة ووعيه السياسى، ولكن أهم ما لاحظته وأريد أن أذكره هنا هو ثقافته، والثقافة بالنسبة لرئيس شىء شديد الأهمية، رد خيرت الشاطر على مذيع بأنه لا يسمع الأغانى ولا يشاهد السينما لأنه ليس لديه وقت لهذا، وفى هذه اللحظة استبعدته ليس لأننى من حزب الثقافة وهو من حزب أعداء الثقافة، ولكن لأن رئيسًا غير مثقف لا يستطيع أن يحكم بلدًا، وأعتقد أن ضحالة ثقافة الرئيس السابق كانت السبب فى كل ما حدث فى عهده، وأتساءل أحيانًا كيف يستطيع حاكم أن يمارس السياسة وهو لم يقرأ ماكبث والرغبة العارمة فى السلطة التى تودى بالناس، أو حتى لم يقرأ هاملت فكيف نواجه الفساد، وإذا لم نملك الحزم والقرار السريع فلن ننجو، وإذا لم يقرأ رواية تولستوى «الحرب والسلام» فكيف يفهم حروب أوروبا، وإذا لم يقرأ ثلاثية نجيب محفوظ فكيف يفهم المجتمع المصرى منذ ثورة 19 حتى الحرب العالمية الثانية، إلا إذا كان «مش مهم فهم المجتمع المصرى»!! كان حمدين من الذين يقرأون ويتابعون ويتنافس مع الجيد فى الوصول إلى كتاب صعب الوصول إليه، وكنا نتقابل فى عروض سينمائية متميزة وعروض مسرحية متميزة.
ومثل أى شخص يمارس السياسة تتفق أو تختلف معه، لكنه لم يكن جارحًا أبدًا، ولم يسخر فى لحظة من مختلف معه، وكانت رؤيته السياسية واضحة، فهو مع الناس، يريد صالحهم، ويتمنى أن تكون الأعمال فى كل المجتمع فى صالح الشعب أولًا وأخيرًا.
ومارس حمدين الصحافة، وهذا يعنى الاهتمام الدائم بالشأن العام.
وعندما عرفت أن حمدين صباحى سيتقدم للرئاسة أيام كانوا يقولون: مرشح محتمل، تمنيت ألا يحدث هذا، فلقد أشفقت عليه من التجربة.
جان بول سارتر كتب مسرحية «الأيدى القذرة» يقول فيها إن السياسة لعبة قذرة تسىء إلى كل من يمارسها، وأنا متأكد من طهارة حمدين صباحى وهذا ما يقلقنى، بالطبع يقلقنى عدم طهارة البعض، ولكنك تشفق عادة على من تحب.
أعرف أنها معركة قاسية، وأن الأسلحة فيها غير متكافئة، مثلًا المال الذى «يتدفع» على البعض من الخارج ومن الداخل، ثلاثة أرباع أصدقاء حمدين صباحى يريدون منه أن يسلفهم خمسة جنيهات لا أن يتبرعوا له بخمسة ملايين جنيه!
وسط الشلة الصاخبة التى تحدثت عن انتخابات الرئاسة، قال أحدهم إنه يتنبأ بفوز حمدين صباحى، واعترض الآخرون، فراهن أنه ستكون هناك إعادة بين حمدين وآخر أيًا كان من هو فى الإعادة سيكون الاختيار ليس من بين من له فقط بل أيضًا من ليس عليه تحفظات، وعندئذ سيكون الاختيار فى صالح حمدين.
وتشنج أحدهم وراهن بكل شىء أن حمدين لن ينجح وأخذ يعدد مبرراته، وهز أحدهم رأسه موافقًا: لكن سأعطيه صوتى!
على أى حال أننا كسبنا مرشحًا صلبًا له مواقف سياسية واضحة، لا يتلون ولا يغير مواقفه، كسبنا رجلًا إذا ما زارك فى بيتك لم يملأ رجال الأمن شارعكم.
2 - عبدالمنعم أبوالفتوح
عرفته لفترة عن بعد، ثم فوجئت به يتصل بى تليفونيًا ويقول إنه قرأ لى فى إجابة عن سؤال صحفى: هل من حق الإخوان أن يكون لهم حزب أم لا؟، إننى قلت إن من حقهم أن يكون لهم حزب رغم أنهم لو أتوا إلى الحكم قد يشنقوننا!
ولامنى الدكتور عبدالمنعم برقة على أننى قلت إن الإخوان يشنقوننا، وأنهم بالتأكيد لا يفعلون هذا.
والتقيت به مرات أذكر منها مرة فى نقابة الصحفيين وقلت ولا أذكر ما المناسبة أن الأخلاق تسبق الأديان وكأننى رفعت راية الكفر فوق الكعبة المشرفة، ووقف الحضور كلهم تقريبًا فى موقف حاد وعنيف وصراخ، وعندما جاء الدكتور عبدالمنعم وبجهود الصديق محمد عبدالقدوس جلس الواقفون، وحاولت أن أشرح أن الجاهلية كان فيها الفساد ولكن أيضًا كان فيها مكارم الأخلاق حسب حديث شهير، وكان فيها من الأفاضل من قال عند رسول الله: هذا نبى ضيعه أهله! ثم إن أفلاطون قبل المسيحية والإسلام كان يحاضر فى «الأخلاق» وهو أحد آثاره الباقية.
لكن كل ما قلته لم يفد كما أفادت تهدئة أبوالفتوح.
ولقد تحددت شجاعته فى الاختلاف مع الإخوان، وأسلوبه الحضارى فى التعامل معها، وهذا ما يجعلنى أظن أن أصوات الإخوان ستذهب إلى أبوالفتوح، وليس إلى مرسى!
3 - أيمن نور
فى عام 1998 جاءت أحد الأصدقاء فكرة الاحتفال بمرور خمسين عامًا على اغتصاب دولة فلسطين، وتحمس البعض، وتقدموا إلى الأمن لكنه رفض الفكرة تمامًا.
أحد الزملاء فكر فى بلد عربى آخر، رفض، وثالث رفض وأظن أنه كان هناك بلد رابع، وجاء اقتراح طريف جدًا ظنناه فى البداية مزحة وهو أن نحتفل فى برلين!!
ولم يكن أمامنا حل إلا أن نحتفل فى برلين، وبالطبع ذهبنا على حسابنا، ومن كان قادرًا تبرع للآخرين بتذكرة سفر.
وشاركنا فى مؤتمر مهم حول القضية الفلسطينية شارك فيه فلسطينيون وعرب وكان الوفد المصرى أكبر الوفود.
ثم جاء يوم 15 مايو وسرنا عبر برلين فى أكبر شوارعها فى مظاهرة استمرت طويلًا وانتهت عند حائط برلين، وحافظ الألمان على المظاهرة، وحاول واحد من أهلنا إفسادها فى آخر لحظة فهتف بسقوط ياسر عرفات؟!
فى تلك الليلة دعانا بعض العرب الذين يعيشون فى ألمانيا إلى العشاء، وهناك قابلت الدكتور أيمن نور فى المرة الوحيدة التى قابلته فيها، كانت الصورة التى كونتها مشوشة، فأيمن نور يعتبر رقم واحد فى الاتهامات والشائعات، التى أطلقت على سياسى فى أيام النظام الماضى وربما الحالى إذا كنت تسمى الحالى نظامًا!
لكننى فوجئت بصور جميلة، رجل له رؤية سياسية يعرف كيف يعرضها ببساطة، فضلًا عن مثالياته، وأنه ودود للغاية.
فيما بعد كانت هناك مناسبات من المفروض أن نلتقى فيها لكن لم يحدث هذا منها أنه شاهد مسرحية لى، ورأى فيها ما يحدث الآن، فأتى بعد يومين بمئات من أنصاره لرؤية المسرحية، ولكننى لم أكن فى المسرح.
وأظن -والأمور كلها ظنية- أن أيمن نور لن يدخل الانتخابات وأن اللعنة ستظل تلاحقه أبد الدهر!
4 - عمرو موسى
بالطبع رأيته عند قريته مرات، وفى مرة منها ناقشته فى أمر ما فى ندوة، وحدثنى كما لو كنا متعارفين منذ سنوات، ولا أظن إلا أنه بارع فى أن يقنعك أنه يعرفك جيدًا.
وبعد أن أصبح أمينًا للجامعة العربية اتصل بى ناشط سياسى عربى فى أوروبا، وقال لى إنه يحدد موعدًا مع عمرو موسى لمقابلته وأنه يتمنى -لسبب لا أعرفه- أن نكون سويًا، ومن باب الفضول والمجاملة ومقابلة عمرو موسى ذهبت.
وكانت جلسة طويلة، جزء منها كان عن الثقافة وانهيارها وقلت ساخرًا: هذا زمن ثقافة شعبولا!! وضحك على، وأدركت الخطأ الذى وقعت فيه، ولاحظت فيما بعد براعته فى عبور الموقف.
كان واضحا مما تحاورنا فيه نحو ثلاث ساعات أنه مثقف ومتابع جيد، وفاجأنا كثيرًا، وعندما ذكرت كتابًا لم يقرأه اهتم بشدة وسجل من أين يمكن الحصول عليه.
ووقع صديقى الناشط السياسى فى خطأ أسوأ من الخطأ الذى وقعت فيه.
ولم يكن الضحك عاليا هو الحل، فقفز عن الخطأ بحضور عبقرية وأتم الحديث بحيوية هائلة.
أنا فخور بهولاء المرشحين الذين رأيتهم عن قرب ورجاء الانتباه إلى تاريخ نشر هذا المقال، فلا أحد يضمن المستقبل، ولا أحد يعرف ما سيحدث!.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد محمود المالح
متنوع
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل قطب
رئيس مصر
نريد لمصر رئيس لكل مصر ولا ينتمى لاى تيار او جماعة