مسألة استبعاد عشرة من المرشحين للرئاسة فى مصر، وعلى رأسهم اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع مبارك، أعطى لانتخابات الرئاسة القادمة شكلاً أكثر تحديداً وهدوءاً نسبياً، لكنه لا يعطى مؤشرات ترجيحية لنتائج الانتخابات، بل يفتح باب الصراع على مصراعيه، خاصة أنه رغم أهمية المستبعدين، إلا أن جبهات الصراع الرئيسية مازالت كما هى، حيث المحسوبين على النظام السابق والممثلين فى عمرو موسى وأحمد شفيق، وممثل التيار الإسلامى من الإخوان محمد المرسى، وممثلى التيار الآخر الذى يحظى بتأييد أكبر من الثورة والثوار، ويمثله عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحى وخالد على وغيرهم.
ومن المتوقع أن تحدث تنازلات فى الجبهات، حيث يتنازل شفيق لعمرو موسى، ويتنازل مرشحو التيار الثورى لأحدهم، والذى يرجحه البعض بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ومع ضعف شعبية وقبول مرشح الإخوان محمد المرسى، فمن المتوقع أن تكون المنافسة على الرئاسة بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، ولا شك أنها ستكون منافسة قوية وغير عادية، ويتوقع معها كل شىء، بما فى ذلك تزوير الأصوات والتلاعب فى الصناديق، وحشد الناخبين وإنفاق الملايين لشراء الأصوات، ولا شك أن كافة رموز وجهات النظام السابق ستقف خلف عمرو موسى، والذى سيحظى بالقطع بتأييد خارجى كبير من واشنطن وإسرائيل، ومن دول عربية وغيرها، لكن هذا كله لا يعطيه فرصة كبيرة للفوز، حيث سيحظى المنافس المفترض عبد المنعم أبو الفتوح بحشد شعبى كبير، وسيحظى أيضا بتوافق بين غالبية التيارات السياسية الموجودة على الساحة إن لم يكن جميعها، بما فى ذلك الإخوان والسلفيين والليبراليين وغيرهم، حيث إن أبو الفتوح محسوب الآن كشخصية توافقية مقبولة لدى الجميع، والإخوان المسلمون والسلفيون، فى غياب مرشحيهم من ذوى الكاريزما والشعبية أمثال خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل، سيدعمون أبو الفتوح، ولن تستطيع قيادة جماعة الإخوان أن تفرض على جميع أعضائها مرشحها محمد المرسى، ولو حاولت ذلك فلن تجد قبولاً من الغالبية منهم، وسوف يحظى عبد المنعم أبو الفتوح بغالبية أصوات الناخبين الذين صوتوا للإخوان والسلفيين فى الانتخابات البرلمانية.
على الجانب الآخر ستخرج الحملة الانتخابية للمرشح عمرو موسى محاطة بتأييد كبير من الفلول من رموز النظام السابق ومن بقايا الحزب الوطنى المنهار، ومن رجال الأعمال الذين ارتبطت مصالحهم بالنظام السابق، وكذلك من أسماء الشخصيات الذين تضمنتهم قوائم العار الثورية ومن الذين تعاطفوا بشكل علنى مع الرئيس المخلوع مبارك، وهاجموا الثورة، كما ستنهال على حملة عمرو موسى برقيات التأييد من إسرائيل وأمريكا وغيرهما، وقد تخطئ بعض الجهات والمؤسسات الحكومية وبعض وسائل الإعلام، خاصة الحكومية منها، فتدعم وتساعد حملة عمرو موسى بشكل مباشر أو غير مباشر، وكل هذا قد يعطى بعض الدعم لحملة عمرو موسى، لكنه سيصب فى النهاية فى مصلحة الخصم المنافس أبو الفتوح وسيشحن مؤيديه ويزيدهم حماساً وحشداً فى الميادين فى كافة مدن مصر باعتباره ممثل الثورة بكافة أطيافها وتياراتها.
رغم هذا يبقى عامل مهم للغاية، وهو موقف المجلس الأعلى العسكرى، ومن يتصور أن المجلس سيكون محايداً فى هذه المعركة يكون على خطأ كبير، وما حدث منذ خلع مبارك حتى الآن من تعامل مع الثورة والثوار، وما حدث فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى وتهريب المتهمين الأمريكان، وما حدث أيضا فى الأيام الماضية من حشد للحملة الانتخابية للمرشح المستبعد عمر سليمان، وأساليب جمع التوكيلات له، والحراسة التى كانت مخصصة له من الجيش المصرى، وغير ذلك الكثير يؤكد أن المجلس العسكرى لا يمكن أن يكون محايداً فى كل ما يحدث فى مصر، ويعطى مؤشرات لاحتمال عدم حيادية المجلس فى المعركة الانتخابية القادمة، الأمر الذى يستوجب الحذر من الجميع، بما فيهم المجلس العسكرى نفسه، من الوقوع فى خطأ قد يؤدى إلى تداعيات لا تحمد عقباها.