خالد صلاح

خالد صلاح يكتب.. "كلمة واحدة": أفَحُكم الجاهلية يبغون

السبت، 21 أبريل 2012 07:38 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كان شيوخنا فى مساجد الجهاد والجماعة الإسلامية فى إمبابة يتلون علينا فصولا من كتب الصحوة الجهادية فى السبعينيات والثمانينيات تبرر لنا ما تقترفه أيدى بعض المهرولين منا إلى نصر إسلامى سريع دون مراعاة لقيم هذا الدين وغاياته العليا، أتذكر الآن تفسيرا مذهلا أوردته كتب الحركة الجهادية آنذاك لتبرير موت الأطفال والنساء من جيران محلات الفيديو التى كانت هدفا أساسيا لنشاط النهى عن المنكر، واستهدفتها عمليات حرق منظمة من بعض الإخوة الذين ظنوا أن هذا هو طريق النصر ولا طريق سواه.

كان شيوخنا يقولون إن هؤلاء الأبرياء الذين يسقطون ضحية للعنف والحرق «إنما يبعثون على نياتهم» دون إثم أو دية على من سفك دماء المسلمين بلا ذنب، وحين سألنا عن دليل ذلك من الكتاب والسنة أوردوا هذا الحديث الذى يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يغزو جيش الكعبة فيخسف الله بأولهم وآخرهم، فقالوا: يا رسول الله يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم السوقة والعامة، فقال النبى: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم»، هكذا فسر شيوخنا هذا النص باعتباره دليلا على مقتل الأبرياء دون ذنب فى مسيرة الجهاد المسلح، بأن الله قد يخسف بجيش يغزو الكعبة وفيهم عوام الناس الذين لا يشاركون هذا الجيش خطة هدم الكعبة.

المفاجأة ليست هنا، لكن فيما جرى بعد ذلك حين أصدرت قيادات الجماعة الإسلامية سلسلة المراجعات الفكرية والشرعية لهذا المنطق المسلح فى التسعينيات، والمفاجأة أن قيادات الجماعة استخدمت نفس الحديث الشريف بنصه لتبرير شىء آخر تماما يدعون فيه لوقف العنف، واعتبروا فى التفسير الجديد أن سلطة الخسف ثم بعث الناس على نياتهم هى لله وحده، وليس من سلطان البشر أن يقتلوا الأبرياء بالباطل ثم يزعمون أنهم يبعثون على نياتهم أو يتوهمون أن حقهم يتساوى مع حق الله الخالق فى قتل الأبرياء فى عمليات الجهاد دون عقاب من الله صاحب الحق المطلق، سبحانه، على سفك دم حرام. 

هنا جوهر المشكلة يا أخى، الحديث نفسه بتفسيرين حسب ما تقتضيه ظروف المرحلة، أو حسب الحاجة السياسية فى كل عصر، فحين كانت الرغبة هى الجهاد المسلح ألقى شيوخنا فى قلوبنا هذا الإيمان بصحة تفسير حديث (البعث على النيات)، وحين كانت الرغبة فى أن تتوقف آلة القتل والعنف المسلح كان الحديث نفسه هو النص الذى انتزعوا به من القلوب ما غرسوه فيها من قبل.

هذا المثال أتذكره هنا لأننى سمعت آسفا من علماء أحبهم دفاعا عن رجل يكذب، رجل هم عرفوا أنه يكذب، رجل ظنوا أنه يتعرض لمؤامرة كبرى ثم أدركوا أنه هو الذى تآمر لإخفاء الحقيقة عن الناس وعن العلماء واجترأ على كل من أعلنوا حقيقة كذبه بكل سوء، رجل لونته السياسة فلم يعد فى قلبه خشية من الله، وعلماء يظنون أنهم إن أعلنوا كذبه فسوف يسيئون للحركة الإسلامية كلها، ومن ثم جاءت الفتاوى بالتستر على الكذب تحت زعم (حماية دين الله وحماية المطالبين بتطبيق شرع الله فى الأرض).
قل: هل يقيم الكذب شرعا أو يسقط الدين بسقوط رجل كاذب؟!
المشكلة هنا يا أخى فى من يفسر النصوص! ومن يبرر سلوك السياسة بأحاديث نبوية شريفة! ومتى يخرج التفسير المناسب فى الوقت المناسب رغم أن دين الله واحد، وشريعته واحدة و«الحلال بين والحرام بين».

لكل هذا خرج جيل من أبناء الحركة الإسلامية نحو فضاء فكرى آخر فى التسعينيات، رافضين تقلبات شيوخهم بين الأحاديث والأدلة حسب الأهواء ووفق الضرورة السياسية، وأخشى أن التستر على الكذب قد يجهز نهائيا على ما تبقى من رسوخ فكرى فى قلوب المثقفين من أبناء هذه الحركة الذين يرون تحريف التفسير عن مواضعه حسب الغايات، وفى ديننا هذا لا تبرر الغايات الوسائل، وفى ديننا هذا نهى حاسم عن التستر على خطايا الكبار، «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد».
أقول لكم:
«أفَحُكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون».







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة