ممارسة تمارين الذاكرة ترفع اللياقة الذهنية فى الحياة عامة، وفى السياسة تساعد على التفكير الصحيح، وتعصم العقل من الانزلاق فى التخبط.
فى استفتاء 19 مارس 2011م على التعديلات الدستورية حشد الإسلاميون، ومن بينهم الشيخ حازم أبوإسماعيل وخيرت الشاطر الجماهير للتصويت بنعم، أى الموافقة عليها، أما أمثالنا الذين طالبوا بالتصويت بالرفض فقد وصفوا بأوصاف قاسية، لم تخل من اتهام بالكفر. التعديلات قالت إن مجلس الشعب بعد انتخابه يختار اللجنة التى سوف تضع الدستور، وتجرى الانتخابات الرئاسية بإشراف لجنة عليا لشؤون الانتخابات قراراتها محصنة، وغير قابلة للطعن أمام أى جهة أخرى. وهو ما تنص عليه المادة «28» الشهيرة من الإعلان الدستورى. أما أمثالنا الذين قالوا لا فقد كنا من أنصار الدستور أولا، ألا تكون قرارات اللجنة أيا كانت فوق النقد والطعن.
لم يعجب الإسلاميين موقفنا، وراحوا يبشرون بغزوة الصناديق، وهذا كلامهم وليس كلامنا، وراحوا يشعرون بنشوة عقب إعلان نتائج الاستفتاء بأن %77 أيدوا التعديلات الدستورية. منهم من اعتبره «نصرا للإسلام»، وآخرون اعتبروه «هزيمة للعلمانيين»، وغض المجلس العسكرى، الذى كان مؤيدا للتعديلات الدستورية، الطرف عن الدعاية الدينية الصريحة التى استخدمت لتمرير التعديلات الدستورية، بما انطوى أحيانا على الاستخفاف بعقول البسطاء بوضع المسألة فى ثوب دينى، التصويت بـ«نعم» هو الطريق للجنة، والتصويت بـ«لا» هو الطريق إلى جهنم.
هذا هو التاريخ، وهذه هى الذاكرة.
اليوم يريد الإسلاميون تغيير موقفهم، ويريدون المجتمع كله فى ركابهم، يحارب فى معركتهم ضد المجلس العسكرى الذى «تفاهموا» معه فى البداية، ثم اختلفوا معه.
شارك الإسلاميون فى تشويه القوى الثورية، وتركوا الميدان ومضوا، وأعلنوا أن شرعية البرلمان هى الأصل، لا تنازعها شرعية أخرى، اليوم يعودون يبحثون عن شرعية الميدان.
أيد الإسلاميون الاستفتاء على التعديلات الدستورية، بما فيها المادة 28 التى يعترضون عليها الآن بعد استبعاد حازم أبو إسماعيل وخيرت الشاطر.
يتحدث الإسلاميون عن حديث «المشاركة لا المغالبة»، ولكن الواقع يكشف عن مغالبة بدءا من الإعلان الدستورى، مرورا بانتخابات مجلس الشعب، والرغبة فى وضع دستور يعبر عن غَلبةِ «أغلبية سياسية» دون مراعاة لحالة التنوع السياسى والثقافى والدينى والاجتماعى التى يشهدها المجتمع المصرى.
المجتمع ليس تحت إمرة الإسلاميين، يتصالحون مع المجلس العسكرى فيهاجمون منتقديهم، يتنازعون مع المجلس العسكرى فيريدون المجتمع كله خلفهم. يكفى تأملا التذبذب والاختلاف الجذرى فى تصريحات بعضهم، تحول من نقيض إلى نقيض، يدافعون عن المجلس العسكرى إلى الحد الذى جعلهم يتحولون إلى «محامين» له، والآن يهاجمونه، وبالمناسبة هم نفس الشخصيات وليس غيرهم.
باختصار لا يصح أن يكون المجتمع السياسى رهينة الصراع بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين. لجنة وضع الدستور كاشفة أن عودة الإسلاميين إلى الميادين لا تزال غير صافية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة