مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل التفاصيل السياسية الآن تذكرنى بأفلام الأبيض والأسود، حين ترفض العائلة زواج عماد حمدى أو شكرى سرحان بفاتن حمامة أو شادية بسبب «الماضى»، تسمع صوت دولت أبيض على سلالم القصر الفخيم وهى تخاطب عماد حمدى بكل أسى: «يا ابنى حرام عليك، دى ست عندها ماضى»، ثم تضع يدها على صدرها متظاهرة بأزمة قلبية، لتدوى الموسيقى الصاخبة معلنة نهاية الحب فى «مؤامرات الماضى».
هذا المشهد الذى تحول إلى أيقونة ساخرة فيما بعد، يتكرر الآن على الساحة السياسية، حين يخرج علينا أنصار التطبيع أو مؤيدو زيارة فضيلة المفتى الدكتور على جمعة إلى القدس، وينشرون صورا على الإنترنت يظهر فيها الشيخ يوسف القرضاوى مع حاخامات يهود، وكأن هذا هو ماضى الشيخ، ولا ماضى غيره، وكأن اللقاء مع حاخامات يهود لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، يساوى فى التأثير زيارة القدس وهى تحت الاحتلال.
ما حدث مع الشيخ القرضاوى هو نسخة مكررة لما جرى مع عشرات السياسيين خلال الخلافات السياسية بعد الثورة، لا أحد يتكلم فى الموضوع، ولا رجل يناقش القضية بجدية، كل القضايا بلا استثناء دخلت فى حروب الضرب تحت الحزام، وفى «معايرات» الماضى، ولكن لا أحد تكلم فى المضمون، فى كل مرة يلعب فريق من بيننا دور دولت أبيض، ويلعب الآخر دور شادية، ثم تتبدل المواقف، وتتبدل الأدوار حسب موقعك على سلم القصر الفخيم فى هذا المشهد السياسى المرتبك.
جرى ذلك مع الجميع، سياسيين وبرلمانيين وشيوخا ودعاة ورجالا فى الأزهر وإعلاميين وصحفيين وثوريين وفلولا، الكل «يعاير» الكل بالماضى، مع أن الجميع كانوا شركاء فى هذا الماضى بخيره وشره، وعاشوا فى ظلاله ثلاثين عاما من الحسنات والسيئات معا، عمر سليمان «عاير» الإخوان بماضى علاقاتهم مع الأجهزة الأمنية، والإخوان «عايروا» الأحزاب السياسية قبل الثورة بأنهم كانوا جزءا من ديكور نظام مبارك، والأحزاب «عايرت» الإسلاميين بسنوات العنف المسلح ضد المواطنين، والإعلام «عاير» الإخوان بأنهم أكثر من التزم السمع والطاعة لرجال أمن مبارك فى المظاهرات الفئوية، والإخوان «عايروا» الإعلام بأنه يتلقى تمويلات من رجال أعمال أثروا فى عصر مبارك، وكأن ثروات الإخوان جاءت فى عصر آخر أو عبر أطراف أخرى، والسياسيون تبادلوا صورا على «الفيس بوك» لنجوم ثوريين، كانوا من أصدقاء رموز رجال مبارك، ورجال أعمال «عايروا» رجال أعمال آخرين بأنهم كانوا مقربين من جمال ونظيف، وفريق «نعايره» بالعلاقات مع قطر، وفريق آخر «نعايره» بالعلاقات مع ليبيا، وفريق آخر «نعايره» بالعلاقات مع الجميع.
حروب «المعايرات» لما جرى فى الماضى، لم يسلم منها حتى كبار الشيوخ ورموز العلماء ورجال الدين فى مصر، حتى شيخ الأزهر «نعايره» بأنه كان ضمن قائمة فرضت قسرا لأعضاء أمانة السياسات، ثم ظهرت «معايرة» الشيخ القرضاوى بصور الحاخامات، وكأنه لا رمز يجب أن يبقى، ولا رجل يجب أن يعيش، ولا وجه فى السياسة أو فى الفكر أو فى العلم أو فى الصحافة أو فى الدين، يجب أن يحيا شامخا واقفا على قدمين.
نحن نلعب بأنفسنا، ونهدم رموزنا، ولا نتكلم أبدا فى المضمون، نحن نعيش فى حروب تحت الحزام، ولا شىء أبدا فوق الحزام، نستبدل بالحوار الشتائم، وبالفكر الصور «الفاضحة» لكواليس الماضى، كيف نريد أن نبنى وطنا ونحن نتنابز بالألقاب ونتبارز بالماضى.
كان النبى - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن تنابز المؤمنين بالألقاب فيما كانوا عليه فى الجاهلية، بينما يقول الله تعالى:
«وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا».
أوَهناك فسوق أسوأ من هدم كل هذه الرموز فى ثلاثة عشر شهرا فقط؟!
مشاركة