ماذا يحدث على الساحة المصرية حالياً؟! أكاد لا أصدق ما أراه يومياً.. وأنفى ما أسمع، وقد وصل الأمر إلى استعراض عضلات وتجميع الآلاف للدفاع عن قضايا خاسرة، وحشد المليونيات وراء المليونيات، وبعضها لأهواء خاصة!! وهو استبداد وترهيب للمجتمع، ومحاولات للى الأشياء بأى شكل وبأى لون ولأجل الوصول إلى الهدف مهما كانت السبل.. أن يصل الأمر أن يصدر القاضى أحكامه وسط تهديد الجموع وهذا فى بلاد متطورة، يرقى إلى مستوى الخيانة، لأن القضاء هو السلطة الأولى، وطالما اهتزت قيم القضاء، وطالت رجاله فإن المسألة أصبحت فى الحضيض، ولكن فى مصر للأسف اعتدنا على إهانة الرموز حتى لم يعد لدينا كبير.. وهذه أزمتنا، لقد صرنا بلا كبار إحساس الوطن أننا بلا كبير هو أقصى حالات الفقدان والفراغ السياسى والاجتماعى.. إن هذه الفترة التى نعيشها لافضل فيها سوى أنها تنفخ التراب فى عيوننا من تزاحم السلبيات، وتراكم المفاسد، لقد زاد الاستبداد عن حده حتى لقد صاح كثيرون يتمنون يوما من أيام العصر البائد، وهذه وحدها كارثة تطيح بكثير مما صنعناه بثورة 25 يناير 2011.. هذه الثورة التى كان من أهم نتائجها كشف المستور من مخالفات أغلب قادة هذا العهد، وهم وراء القضبان حالياً، وقيد التحقيق والعدالة.. ثم كان من أهم ما جنيناه من الثورة، تدمير الخوف إلى غير رجعة.. فإذا أراد اليوم أحد أن يعيد هذا الخوف، فإنه لا يلغى الثورة كما يتهيأ له.. بل إنه يحاول أن يلغى مصر كاملة.. بكل ما تملك من تراث وميراث وحضارة وشعب، لقد صار الاستبداد بعد الثورة محاولة لبعض أعدائها، لكى يفرضوا سطوتهم، والتبرير لسرقة ثورة الشباب والشعب.. إن هذا الاستبداد غير المسبوق يثير شهية المتربصين بالوطن نحو المزيد من التخبط والتراجع، وهو ما يدعونا لأن نكون أكثر التزاماً بحقوقنا، حتى لا ينهبها هؤلاء أيضاً.. نحتاج إلى حكمة فى مواجهة تيارات، ما كنا نتمنى أن نواجهها من قبل.. ولا أعرف ماذا يريد هؤلاء الذين ما إن تبرق بادرة أمل فى الأفق، إلا ويسعون لإطفائها وردمها وسط برك الفوضى والموت المبكر.. وها نحن اليوم نستعد لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، بعد شهر تقريبا، والكل يترقب الحدث بخوف من أن يحاول البعض إفساد هذا التاريخ المهم.. من أجل مصلحة شخصية، خاصة، ولأننا فى وقت عصيب تمر به مصر، فإن كل شىء يبدو على حقيقته دون لمعان، دون ماكياج، كل شىء أصبح عاريا، والكل لهذه الأسباب يخشى أن تظهر حقيقته كاملة بلا ضمير.. الذى يحدث هو صراع خاسر للجميع، ولا أفهم ما الذى يريده هؤلاء المتصارعون، وهم لا يتفقون أبداً على كلمة سواء.. وقد أعجبنى المتحدث الرسمى باسم السلفيين، حيث ينتقد المظاهرات التى يقيمها أنصار الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل، أمام لجنة الانتخابات فى مصر الجديدة، ثم فى ميدان التحرير، تطالب بحق الشيخ فى ترشحه لانتخابات الرئاسة، برغم التأكيدات أنه ليس من حقه الترشح، لأن والدته أمريكية الجنسية، وقد شهد بهذا، وأكدته وزارة الخارجية السعودية، حيث أكدت أن والدة أبوإسماعيل دخلت الأراضى المقدسة بجواز سفر أمريكى لأداء فريضة الحج منذ سنوات.. والكل أكد أنها أمريكية الجنسية، فلماذا الإصرار على مخالفة اللوائح والقوانين التى حرصوا هم أصلاً على تأسيسها وتأكيدها فى القانون المصرى والدستور، ثم هل تصير المسألة بهذا الأسلوب.؟! وكيف تستقيم الحياة فى مصر بهذا الإرهاب الفكرى. فأى شىء يمكن أن يتم عن طريق حشد الناس اتباع فلان أو علان. لتأكيد أنفسهم.. هذا ما نخشى أن يفسد تاريخ يوم الانتخابات الأساسى والذى اتفق عليه الجميع وهو ما قد ينبئ بمزيد من الفوضى فى الشارع المصرى.. ولا يحتمل الوضع أكثر مما نحن فيه.. لأن تأجيل الاستحقاق الرئاسى هو ليس مجرد أزمة بل ورطة أو دوامة تضاف إلى التى يعيش فيها المواطن المصرى، وكأنه رهن مؤامرة ما إن يخرج من دائرة حتى يدخل فى دائرة أخرى، ومأزق آخر، وما إن يتهيأ له أنه خرج من الظلام إلى النور حتى يرى الدائرة الأخرى أشد ظلاماً ويأساً.. رحماكم يا من تدعون الرحمة. رحماكم بشعب مصر وكفاكم ما نحن فيه. ثم أين الدستور الذى أردتهم أن يكون محققاً قبل الانتخابات؟! حتى الآن لم تكتمل لجنة إعداد وصياغة الدستور.. وقد أوشكت الأيام أن تمر، واقترب ميعاد الانتخاب، واقترب معها الصراع.. أيهما الأول: الدستور أم الانتخابات.. ويبدو أنه الصراع على استقرار الشعب المصرى يكون أو لا يكون.. الكل حائر والخوف يحيط بالجميع.. إلا المتربصين بالوطن!