ما أكثر الذين يتحدثون باسم الشعب، ويتصارعون باسم الشعب، بينما يقصدون شعبا آخر غير الذى يموت فى الطوابير، ويعانى فى الطرقات وفى المستشفيات، يتحدثون عن دستور عصرى ويعجزون عن توفير الأمن والخبز للشعب الذى يتحدثون باسمه.
سقط سور على طابور عيش فى إمبابة قتل 3 وأصاب 11، ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، فما زال هناك قتلى وجرحى يتساقطون فى طوابير العيش، وأنابيب البوتاجاز، والسولار، منسيين من صراعات التأسيسية، ومصارعات الدستور، ونميمة المساء والسهرة.
سقوط قتلى وجرحى فى طابور خبز بإمبابة لم يلفت الأنظار كثيرا ولم يشغل مساحة كبيرة فى برامج التوك شو ومناقشات المساء والسهرة، ولا انعقدت من أجلهم جلسة طارئة لمجلس الشعب، ولا تم تقديم طلبات إحاطة وأسئلة واستجوابات، لم يطالب أحد بإقالة الحكومة، ولا قال إن مقتل المواطنين فى طابور الخبز عار يجب أن يخجل منه كل من فى الحكومة والبرلمان، أو يستحق أن تتشكل له لجنة لتقصى الحقائق، لمعرفة كيف يموت الناس فى انتظار حقوقهم الأساسية.
قتلى طابور العيش لم يهتم بهم مرشحو رئاسة ولا وزراء حكومة، ولا نواب برلمان ولا حتى نواب الدائرة.. الكل مشغول بالصراع على السلطة، أكثر من انشغاله بكيفية توظيف هذه السلطة لحماية حق المواطن فى الحصول على رغيف بكرامة، من دون طوابير ولا موت، وكما هو معروف فإن الديمقراطية وسيلة لضمان الحقوق الأساسية، وليست غاية فى حد ذاتها، وإذا فشلت فى تحقيق هذا تصبح بلا قيمة، وتعتبر وهما وسرابا.
لا أحد انشغل أو انفعل بمقتل وإصابة 14 مواطنا، مع أن الجميع يتحدث عن الشعب والمواطنين وكرامتهم، ويبدو أنهم يقصدون شعبا آخر غير هذا الذى يتساقط ولا يجد من يساند حقوقه، الشعب موجود فى طوابير الخبز والسولار والأنابيب، وأمام أبواب المستشفيات، وفى تلافيف العشوائيات والقرى الفقيرة، ينتظر الحصول على الرغيف والعلاج بكرامة، حتى يمكنه أن يمتلك حريته، يصوت ويختار ويفكر بحرية، لن يخدعه الكذابون ولا الانتهازيون.
طلاب السلطة يشغلون المواطن ويفرضون عليه أجندة مناقشاتهم، وموضوعات تبدو ساخنة تتضمن جدلا وصراعَ ديوك، مشغولين بصراع على سلطة يفترض أنها بلا قيمة مادامت لا توفر للمواطن رغيفا وعلاجا من مرض يمتص حياته. بينما قتلى طوابير الخبز منسيون فى صراع المتصارعين على تأسيسية الدستور، والمتنازعين على مقاعد الصف الأول، ونجوم مؤتمرات البحث عن التوافق فى فنادق الخمس نجوم، وأبطال برامج المساء والسهرة.
المواطنون حاضرون بشكل افتراضى فى كل الدعايات، باسم الشعب، بينما هم شعب آخر غير هذا الذى يتحدثون باسمه، دون أن يحاولوا التعرف عليه.
لا قيمة لدستور يعجز عن حماية حق المواطن فى رغيف وعلاج ومسكن من دون طابور أو قتل.. يومها سيهتف الشعب الأصلى: «يسقط الدستور والتأسيسية والحكومة والبرلمان».