قرار وقف ضخ الغاز المصرى إلى إسرائيل تأخر كثيرا ونتوقع أن يفتح الباب لمزيد من التوتر مع إسرائيل، فى وقت تبدو فيه المنطقة كلها فى حالة غليان، الحرب فى السودان، والانفصال فى ليبيا، بينما مصر لم تستقر بعد أوضاعها السياسية. ومصر القوية هى التى يمكنها عبور كل هذه الأحداث بشكل يضمن لها مصالحها الحيوية والاستراتيجية. ونظن أن أعين البعض سوف تتجه إلى افتراضات تدفع نحو توقعات بتأثيرات مباشرة لما يجرى على مسيرة الأوضاع السياسية فى الداخل، فمازال أمامنا شهر وأيام لتنتهى المرحلة الانتقالية ويتسلم الرئيس القادم مهامه، ليمثل مع البرلمان أطراف السلطات السياسية الكاملة، بينما تتفرغ القوات المسلحة لمهامها الأساسية فى حماية الحدود والأمن القومى الذى لا يتوقف عند حدود مصر ويتجاوزها إلى الجنوب والشمال الغرب فضلا على الشرق وهو النقطة الأكثر سخونة.
كان قرار وقف ضخ الغاز المصرى لشركة غاز المتوسط بسبب تأخرها عن سداد ديونها لمصر قرارا يحمل من الوجوه السياسية أكثر مما يحمل من الوجوه الاقتصادية، والقرار لاشك يجد صدى شعبيا، خاصة أن مصر تواجه أزمة وقود، بينما تضمن أمن إسرائيل من الوقود بغاز رخيص يحتاجه المصريون بشدة، وكان تصدير الغاز لإسرائيل أحد ألغاز السياسة المصرية التى تستعصى على الحل. مصر ليست دولة بترولية والغاز طاقة أنظف من البترول، فضلا على أنه يوفر لمصر أمنا فى مجال الطاقة، مع تزايد أزمة الغاز المستورد، واستمرار ضخه لإسرائيل يساعد فى زيادة الأزمة، وإسرائيل يمكنها تأمين حاجتها من الغاز عن طريق قطر، بينما مصر ليس لديها بدائل.
سياسيا يبدو لقرار وقف ضخ الغاز لإسرائيل تداعيات مختلفة، خارجيا وداخليا، تصريحات ليبرمان وموفاز وقادة إسرائيل تكشف عن توتر وغضب، وإشارات وتهديدات، سواء باللجوء للتحكيم الدولى، أو إطلاق إشارات بوجود مؤشرات توتر وتصعيد، فى الوقت الذى يعتبر فيه قرار وقف ضخ الغاز أو غيره قرارا سياديا، مثل أى قرار يتعلق بالمصالح المباشرة لأى دولة، وهو أمر تعلمه إسرائيل، لكنها بالطبع سوف تسعى لتوظيف القرار المصرى بوصفه من أعمال العداء، ربما لتحصل على تعويضات أو مساعدات أمريكية. وأيضا للضغط استغلالا للتوتر وارتباك المرحلة الانتقالية.
بالنسبة لمصر وبالرغم من الارتباك الذى تشهده المرحلة الانتقالية، مازالت نواة الدولة متماسكة، فضلا على أن المصريين يتوحدون فى مواجهة الأخطار الخارجية، وبالتالى فإن التصريحات الإسرائيلية نوع من المناورات، ومن الصعب على أى طرف أن يلجأ إلى شن الحرب، وإن كانت مطالب تعديلات الاتفاقية المصرية الإسرائيلية واردة.
والأهم هو حرص كل الأطراف على إنهاء المرحلة الانتقالية حتى يكون هناك رئيس مع البرلمان، لأن مصر القوية الديمقراطية هى التى يمكنها اتخاذ قرارات الحرب والسلم وحماية مصالحها.