قبل نحو أسبوعين قدم الرئيس المجرى بال سميث استقالته، وتنازل عن كرسى الحكم، بعد أن واجه شبهات حول سلامة شهادة الدكتوراة التى يحملها، وعلى الفور تحرك البرلمان المجرى لبحث الأمر وجرد الرئيس، من الشهادة بعد اتهامه بسرقة جزءاً منها، بينما يعجز البرلمان المصرى عن تجريد موظف حكومى من وظيفته أو استرداد الأموال التى نهبها.
لقد وقف سميث أمام البرلمان قائلاً: "طبقاً للدستور الذى وقعت عليه، فإن الرئيس يعبر عن وحدة البلاد، وقد أدت قضيتى الشخصية إلى حدوث انقسام فى بلدى الحبيب بدلاً من توحيده، لذا من واجبى أن أنهى خدمتى وأتنازل عن صلاحياتى كرئيس". هكذا يتصرف الوطنيون الكبار، الذين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، الذين يكبحون شهوتهم نحو السلطة والمصالح الدنيوية الزائفة، الذين يعلون الفضائل والقيم ومنظومة الأخلاق.
إذا كان مجرد اتهام فى شهادة الدكتوارة دفع الرئيس المجرى للاستقالة، فإن السياسيين فى مصر لا تؤثر فيهم الكوارث البشرية، فبعد كارثة إستاد بورسعيد، ومحاولات تدمير وتخريب البلاد لم يفكر أحد بالانسحاب، بل أكثر من ذلك، أعادت الحكومة محافظ بورسعيد إلى منصبه بعد أن جلس فى بيته أثناء الأزمة وكأن السياسيين فى مصر لا يتأثرون بالأحداث ولا يعرفون الحياء والقيم والأخلاق.
فالرئيس بال سميث لم يسرق وطناً ولم يغتال أحلام المواطنين، ولم يقتل شعباً، ولم يهدر ثروات الوطن، ولم يهَرب الأمريكان المتهمين بالتمويل الأجنبى، ولم يتهم بتسييس القضاء، وتوجيه بوصلته نحو القَبلة التى يريدها. فتهمته كانت أبسط من ذلك بكثير، علما أنه مجرد متهم أى أنه برىء وفقاً للقاعدة القانونية التى تقول إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، وبالرغم من ذلك ترك منصبه بهدوء وأنسحب دون ضجيج، فقد وجد أنه من المعيب أن يكون على رأس السلطة وهو مجرد متهم بسرقة جزء من رسالة الدكتوارة. بينما تمارس السلطات والتيارات السياسية والشخصيات العامة فى بلادنا جرائم من كل نوع، وتتقاتل من أجل السلطة والكرسى فالمجلس العسكرى يمارس سياسة العصا والجزرة، مع القوى والتيارات السياسية لتحقيق مآربه، بينما تتجاهل الحكومة المؤقتة المشاكل العاجلة وتتحدث عن مشاريع بعيدة المدى مثل شرق العوينات وسيناء فى محاولة للهروب من الواقع، أما التيارات السياسية فكل منها يعتقد أنه منزه عن النقص ولا يرى سوء نفسه، بل بعض التيارات أخذها الغلو والغرور والمكابرة، دفاعاً عن أشخاص وليس دفعاً عن الوطن، ولا أحد يريد أن يعترف بأنه على خطأ، ولا أحد يريد أن يتنازل عن رأيه، فهل يتنازل هؤلاء عن مناصبهم عندما يخطئون فى حال وصلوا إلى كرسى الرئاسة كما فعل رئيس المجر.
الواقع يؤكد أن الإجابة بالنفى لأنهم لا يتمتعون بمنظومة القيم والأخلاق التى يتمتع بها سميث وأمثاله وإنما يعيشون على ديكورات شكليه ويحاول كل طرف أن يقنع الشعب أنه على حق والآخرين على الباطل.
لقد كنا نعتقد أننا مُلاك وحراس الصفات التى يتمتع بها بال سميث ومصدريها للعالم، ولكن تبين أننا أبعد ما يكون عن منظومة الأخلاق والقيم والفضائل والترفع عن الصغائر والعفة عن المناصب، فقد تفاجأ المجتمع بعد الثورة المجيدة أن أزمة الأخلاق والقيم يعانى منها الجميع، ولم تكن حصرية على النظام البائد، فالكل سواسية فى الكذب وارتكاب الأخطاء والتسلط والبحث عن السلطة على حساب الوطن والمواطنين.
وبالرغم من الأخطاء المتلاحقة من الجميع وخيبة الأمل التى أصابت المواطنين، إلا أن الكل يترفع عن الاعتذار ويصر على مواصلة المهاترات والتضليل على الشعب والكذب على المواطنين، ولا يهمه سوى الحفاظ على سطوته وإظهار جبروته ليخفى مشاكله وأكاذيبه، وإذا تبين أمره للناس يقول إن الله غفور رحيم، فلماذا لا يغفر العبد لأخيه؟ وكأن شيئا لم يحدث، وكأنه مستعد لمزيد من الكذب لولا افتضاح أمره.
نتمنى أن يكون رئيسنا من نوعية بال سميث الذى أعتذر لشعبه برقى بدلاً من الخوض فى مهاترات إثبات الذات، كما يجب أن يعلم المتصارعون على مصر والاستيلاء على تركه الحزب الوطنى المنحل أن التاريخ يخلد من وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأنقذ البلاد من الحروب العشوائية والمكابرة والمجاهرة بالجبروت والتعنت والتزمت، أما المتطفلون على المواطنين والباحثون عن مجد شخصى وبطولات وهمية فستذرهم الذريات نحو مزابل التاريخ. إن سميث وأمثاله يستحقون أن نقول لهم شكراً، أما القابضون على جمر السلطة والمتحولون والمتجملون الذين يكذبون بلا حياء فمن حق الشعب أن يقول لهم لا نريد رئيساً من أمثالكم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
واحد
بعض إسلام بلا مسلمين, ومسلمون بلا إسلام
التعليق فى العنوان
عدد الردود 0
بواسطة:
رامز
كلنا لصوص ولكن كل على طريفته
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محمود محمد
الاسامى هى هى
الاسامى هى هى هم مجر واحنا غجر بس الفرق شاسع