د. بليغ حمدى

بَلدُ شَهَادَاتِ يا زَعِيْم

الجمعة، 27 أبريل 2012 10:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعض الكتب الدينية مجهولة المصدر والهوية تؤكد على حرمة الفن بل تذهب بفكرها القمعى بعيداً بأن الفن شرك بالله وكفر بيِّن، ومن هذا المنطلق فجميع الفنون حرام لأنها أولاً تلهى عن ذكر الله، بالإضافة إلى أنها من وساوس الشيطان التى تبعد المرء عن ربه، وبشأن فتاويهم دار الجدل الطويل بين المتزعمين لتكفير الفنون، وبين المستنيرين من رجال الدين الذى لا يرون حرمة أو شركاً فى الفنون التى تبعث الجمال بالوجدان وليس من شأنها أن تبعد المرء عن ربه فى عباداته وفرائضه المكتوبة.

ولكن تجد فى سياق هذه الكتابات مجهولة النسب والسند من يشير إلى وجود ما يسمى بالفن الإسلامى ولكن متجنبين كلمة الفن ليضعوا مكانها كلمة عمل، وهم يقصدون بالطبع العمارة الإسلامية التى تتمثل فى النقوش والزخارف والرسوم المجردة من التجسيد، لذا فلا وجود للأنواع الأخرى من الفنون التى ارتبطت بالفن الإسلامى مثل الرسم والنحت والموسيقى وأخيراً الغناء أو الإنشاد.

ولا يستطيع منكر أن ينسى الدور الذى لعبه الفن الراقى البعيد عن المشاعر الرخيصة المبتذلة، حين ساهم فى تأجيج مشاعر المصريين للمشاركة فى ثورتهم الشعبية، وكم كان الفن باعثاً لاستمرارية الثورة ورغم ذلك الحضور الطاغى للفن لم نجد ساعتها من أولياء التيارات الدينية من يحرمه أو أن ينكر دوره بالقول أو بالفعل.

لكن، ماذا يحدث لو غيرت مصر وجهتها المدنية وسقطت فى أيدى التيارات المتشددة ؟ هذا سؤال لابد وأن يطرح استشرافاً لمستقبل قد يبدو غامضاً بعض الشىء، ولا يستطيع شخص أن يتنبئ بإحداثيات هذا الوطن فى ظل حالات الالتباس والغموض التى تعتريه.. فهل حينئذ سيتم القضاء على هذا الرصيد التاريخى للفن فى مصر؟.

ولقد تناقلت معظم الوسائط الإعلامية خبراً مفاده صدور حكم قاطع بحبس الفنان الزعيم عادل إمام ثلاثة أشهر وتغريمة ألف جنيه نتيجة الدعوى القضائية التى اتهمته بالإساءة إلى الدين الإسلامى وازدرائه له فى أعماله السينمائية تحديداً فى أفلامه الإرهابى والإرهاب والكباب ومرجان أحمد مرجان، بالإضافة إلى مسرحياته التى تضمنت تلميحات مسيئة للإسلام.

والحق أقول إن من يدعى لنفسه امتيازاً للدفاع عن الإسلام فلينتبه إلى مزاعم المستشرقين ومطاعنهم فى الدين، أما المزايدات الإعلامية التى انتشرت فى مصر الآن نتيجة ركوب موجة صعود التيارات الدينية، فهى محاولة لإيجاد مقعد وثير لفئة باتت محرومة من التواجد داخل أنساق المجتمع لفترات طويلة.

وكم هو مضحك عندما يفاجئ الفنانون أنفسهم أولئك المدعين بالانتماءات الدينية بأنهم أعلنوا توبتهم عن أعمالهم التى قدموها، فماذا سيفعل إذن أولئك الموتورين حينما لا يجدون قضايا يدغدغون مشاعر البسطاء بها ويدخلونا فى قضايا ترهق عقل الوطن الذى هو بحاجة ماسة لفكر واضح ورأى سديد، وليت هؤلاء الذين أعلنوا وصايتهم على نشر الفضيلة فى المحروسة تيقنوا من حجمهم حينما علموا حجم وكم التيارات والائتلافات والحركات التى أعلنت تضامنها مع عادل إمام فى قضيته التى لا محل لها من الإعراب فى نص بات مشوهاً لغوياً أقصد مصر الجميلة.

وإذا كان المتشددون قد أضافوا لأنفسهم دوراً جديداً فى المشهد الاجتماعى المعاصر وهو دور المخرج لذلك أعلنوا إنهاء المشهد الحالى، فكان عليهم أن يقدموا لنا تصوراً واضحاً فى صورة مكتوبة عن رؤيتهم للفن، وإذا كان حراماً أو ضلالاً بائناً، فإننى أطالبهم بصفة استثنائية أن يقترحوا لنا بدائل ترويحية لا تخرجنا من باب الفضيلة ولا تزهق أرواحنا من الفتنة، وأعتقد أنهم لا يجيدون ذلك لأن من اعتاد الرفض والقمع لم يعتاد على التجديد والإبداع.

ولو أننا أجهدنا أنفسنا للحديث عن دور الفن فى حياتنا بأنه كذا وكذا لن نفعل شيئاً مع هؤلاء الذين لايزالوا أسرى عقد التكفير والغلو فيه وإطلاق صيحات تفسيق الفن والإبداع بوجه عام، مع اعتراضنا على بعض ما يقدمه فنانو هذا الزمان ومنهم عادل إمام نفسه، ولكن ينبغى أن نشير إلى حقيقة فقهية بالغة الأهمية وهى أن هناك قاعدة تقتضى بأن التكفير حكم شرعى من أحكام الدين له أسبابه، وضوابطه، وشروطه، وموانعه، وآثاره. وهذه القاعدة لا ترتبط بدين معين، أو مله بعينها، والتكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره اتلله الله المطلع على ما فى الصدور، والشهيد على أعمال عباده من البشر، وثبوت الكفر على المرء أمر لا يثبت إلا بدليل شرعى متفق عليه، سواء من النص، أو بإجماع العلماء والفقهاء كافة، وليس القلة منهم.

حقاً إن الفنون جميعها فى مرحلة استثنائية فى ظل هذا التصاعد غير المحمود للأفكار التى باتت غير صالحة هذه الأيام، الفنون التى تحيا فى ظل الحريات بعض التيارات تحاول وأدها بطريقة مفجعة وحشية، لذا سيبقى هناك جدل واسع وصراع مستدام بين حالة راهنة، مبدعون يشكلون وجهاً لهذا الوطن، ومخرج متطرف لا علاقة له بالفن الخام ولا بما يحدث فى مصر من الأساس، كل ما يعنيه هو أن يتقمص دور المخرج فيصرخ بصوت عال دونما علم أو رؤية : اقطع المشهد، واقمع ممثليه.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة