دعونا نتفق على أن الثورة تعنى تغييرا جذريا فى بنية أى مجتمع ومؤسساته السياسية والاقتصادية وغيرها، وعندما نتحدث عن هذا التغيير نجد أنه ثنائى الأبعاد؛ فالبعد الأول متعلق بتغيير الأشخاص والبناء التنظيمى وخلافه وهذا عادة يكون قصير المدى، أما البعد الآخر فمتعلق بتغيير الثقافة والفكر اللذين يتجسدان بشرا وأفرادا.. وبناءً على ذلك؛ فالثورة عملية طولية الأمد تحتاج إلى الصبر والمكاشفة والنقد المستمر حتى يتم القضاء على مجمل هذه الأفكار والفلسفات، التى قادت المجتمع والدولة إلى الحضيض.. أردت من المقدمة السابقة تبيان أنه فى خضم تسارع الأحداث وتواليها وغموض وضبابية الحالة السياسية القائمة والمستمرة منذ تنحى مبارك، نحتاج إلى عدم نسيان أن التغيير ليس فقط متعلقا بالوزارة أو انتخابات رئاسة الجمهورية، بل هناك مجموعة من الفلسفات والأفكار الحاكمة، التى أحيانا لا تظهر بشكل واضح تحتاج إلى تغيير ومواجهة، ومن هذه الأفكار السلبية هى الخوف من الاختلاف أو بالأحرى عدم التمييز بين الخلاف والاختلاف.. دعونى أقل إن الاختلاف ظاهرة إنسانية بالدرجة الأولى وسنة كونية ضاربة فى جذور الحياة البشرية من بدء الخليقة والاختلاف الفكرى والأيديولوجى والعرقى وغيرها، تعبير عن ثراء وغنى لأى مجتمع بشرى لابد من الاستفادة منه عن طريق إيجاد مناخ تفاعلى بين مجمل هذه الأفكار والآراء لكى تخرج الأفضل وأن تتحول هذه الأفكار والآراء المتنافسة إلى برامج اقتصادية وسياسية تنعكس على حياة المواطنين لكى تطورها وتنقلها لأفضل حال، وهذا ما نريده من التنوع الأيديولوجى الموجود فى مصر، إلا أنى أتعجب من بعض الدعاوى الصادرة من بعض السياسيين إلى تجاوز الأيديولوجيا والتركيز على ما يهم المواطن، وهذا الأمر أعجب له؛ فحياة المواطن تأتى بوجود برامج اقتصادية وسياسية وخلافه، ومن المعلوم بالضرورة أن هذه البرامج لا تأتى مجردة أو تأتى من الفراغ، بل تأتى من خلال نسق فكرى يمثل الأساس الذى يتم البناء عليه، نعم أتفهم رفض البعض للانغلاق الأيديولوجى والتناحر الفكرى غير المفيد، الذى يمثل نوعا من الجدل البيزنطى العقيم إلا أن هذا الرفض لا يصح أن يقودنا إلى نوع من أنواع العدمية الفكرية، التى يصبح فيها كله مثل كله. بل الخوف والرفض لحالة الانغلاق الفكرى التى تعترى الحالة الفكرية والسياسية المصرية حاليا، التى تطال الجميع الليبرالى والإسلامى. أقول لا تصح أن تقودنا إلى رفض مفهوم الأيديولوجيا بل يجب أن نواجهها بالتجديد الفكرى المستمر والنقد الدائم والبناء للذات قبل الآخر وإلى الدعوة إلى المزيد من الانفتاح على الأفكار الأخرى دون تحزب أو تطرف أو غلو.. هذا يدعونا إلى ضرورة التفرقة بين الخلاف الفكرى وبين الاختلاف الفكرى؛ فالخلاف الفكرى يمثل نوعا من الانغلاق وحالة من حالات الشخصنة والتصارع لا على الفكرة أو الجوهر بل على الأولوية وأفضلية إنسان على آخر، وهو ما نراه على المشهد السياسى المصرى وهو ما يدعونا إلى مواجهته لا بنفى الأيديولوجيا بل بنقد الأيديولوجيا والدعوة إلى الانفتاح والاستفادة من التجارب الفكرية الأخرى.. إلى استمرار النقد للأفكار والفلسفات الموجودة إلى تحويلها لبرامج تنقل حياة المواطن من واقع مرير إلى واقع أفضل وملموس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة