عندما سألت جارى على التختة سمير ولى الدين (والد علاء ولى الدين فيما بعد):
- هل تريد الغناء أم التمثيل؟
قال: الغناء!
حاولت أن أشرح له أن الطريق إلى التمثيل أسهل.. ولكن لم يكن -آنئذ- سهلا مناقشة سمير.. ولمّحت له أن والده شيخ الطريقة قد يعترض على الغناء، ولم يخطر على بالنا أنه قد يعترض على التمثيل.
وعندما أتذكر تلك الأيام -الخمسينيات- يدهشنى كم الذين كانوا يرغبون فى الاندفاع إلى طريق الفن والأدب.. كانت مدرسته ليست على الخريطة بالمعنى المعروف.. فلقد كانت فى وسط الصعيد «بنى مزار» والناس لم تسمع بعد عن معهد السينما وإن كانوا قد سمعوا «طشاش» عن معهد الفنون المسرحية، وعندما تساءلت عن الأوبرا لم أجد شخصاً واحداً دخلها، ولم تكن فى البلد مكتبة عامة، ولم تكن هناك مكتبة تبيع الكتب. شخص واحد كان يبيع ويؤجر فى «كشك».. نعم يؤجر تأخذ منه الكتاب وغالبا ما يكون رواية مترجمة «روايات الجيب غالبا» وتدفع قرشا ونصف القرش، وبعد أيام تعود إليه بالكتاب، وعندئذ تستطيع استعادة القرش كاملا، أو تدفع نصف قرش وتستعير كتاباً آخر، وهذا الرجل الذى نسيت اسمه ساهم فى تثقيف جيل أكثر مما تفعله وزارة الثقافة حاليا.
وعندما أعصر ذاكرتى أجد عددا من الذين حلموا بأن يكونوا كتاب روايات وقصص مثل فريد أبوحديد ومحمود كامل ومحمود البدوى ومحمد عبدالحليم عبدالله، ومن الذين حققوا أمنيتهم -ولعلهم لم يندموا- ثلاثة على الأقل، أحدهم أصدر عدداً كبيراً من المجموعات القصصية هو عبدالله القويرى الذى رحل إلى ليبيا بعد أن اكتشفنا أصوله الليبية، وكتب أيضًا مسرحيته عن «عمر المختار» طبعها فى طنطا، وطالما تساءلنا لماذا طبعها فى طنطا، ولم نجد إجابة، ومكرم فهيم الذى كتب أربع روايات أو خمسا وعاش بين الرواية والمحاماة، والثالث العبد الفقير فقد نشرت عشرات القصص ومجموعتين قصصيّتين وكتبت روايتين، وزميل رابع أكتم اسمه، لأنه ضاع منا عندما انتقل مبكراً، وآخر اكتم اسمه لأنه اتصل بى بعد سنوات طويلة وقال لى إنه كتب رواية ويريد إرسالها لى.. وتعجبت فلقد توقف أكثر من ثلاثين عاما، وتساءلت هل يستطيع الكاتب التوقف لثلاثين عاما، حتى لو كان مشغولا بأمور الأسرة والأولاد كما قال لى.
استلمت الرواية مخطوطة ومعها موعد حضور الصديق لمعرفة رأيى، وكم كرهت رأيى فى كثير من الأحيان!!
أعددت نفسى للقائه لكنه جاءنى مع مجموعة من الأصدقاء المشتركين ومن أصدقائه فقط.. وكانت الرواية كارثة.. كان معجبا بمحمد عبدالحليم عبدالله وخاصة بروايته «بعد الغروب» فظل ثلاثين عاما ونيّفًا يكتب فى رواية شبيهة بها حتى أصبحت نسخة رديئة من «بعد الغروب».
وقلت له رأيى فيما كتب، ومات! طبعا لم يمت من رأيى ولكننى ظللت فترة أؤنب نفسى.
وكان هناك كثير من الشعراء، وكان هناك أيضًا من يحبون الموسيقى أذكر أن أحدهم عندما ذهب إلى الجامعة كاد أن يحترف العزف على الكَمَان، وكتم موهبته لكى يعين فى سلك القضاء وتم ذلك فعلا ولكنه عاد سرا إلى العزف.. وتسرب الخبر فقدم استقالته، ومن الغريب أنه لم يستطع أن يعود إلى مكانته فى العزف.. أتعرفون لماذا؟
لأن الإبداع لا يقبل الخيانة، إنه يريد قلبك وعقلك بالكامل.. وكما أشرنا منذ لحظات اندفع سمير ولى الدين إلى مغامرة الغناء وكان يحاول إقناعنا أن الزمن جاد علينا بموهبتين كبيرتين عبدالحليم حافظ وسمير ولى الدين.
وأخيراً اقتنع أن التمثيل أقرب له، وعندما كنا فى الجامعة دعانا إلى أول فيلم من بطولته، وعندما كنا أمام السينما أبدينا دهشتنا من أن اسم سمير ليس أول اسم على «الأفيش» كعادة الأبطال.
واسمحوا لى أن أستخدم أسماء أخرى فالذاكرة تعجز عن تفاصيل ما حدث.. أنتم مجانين، تريدون أن تضعوا اسمى قبل شادية والله لو وافقت هى ما وافقت أنا!
وشاهدت الفيلم وكان دور سمير قصيراً، لكننا أغرقناه مديحا وأخذناه إلى مطعم لا يذهب إليه أمثالنا من الطلبة إلا كل عامين وكان أحدنا حادًا بطبيعته فقال له:
- قلت إنك بطل الفيلم.. ولكنك لست كذلك.
نظر له سمير بدهشة..
- بطل الفيلم هو كمال الشناوى!
ابتسم سمير وقال ببساطته الشهيرة:
- يا أخويا كمال الشناوى بطل من زمان، أنا البطل الجديد! ومع ذلك فأنا أريد أن أحدثك عن صديقنا الآخر الذى كان يريد التمثيل أكثر مما يريد الحياة! ولن أذكر لك اسمه لأسباب كثيرة وبالمناسبة تضايق صديق لى فقال:
- يا أخى أنا أحس بالغيظ عندما تخفى اسما أو تغيره، صديقى «إكس» حلم بأن يكون بطلا سينمائيا أكبر من سمير ولى الدين وحتى من شكرى سرحان، بل فكر فى العالمية مثلما فعل عمر الشريف، ولكن كان عنده مشكلة، أن أنفه لم يكن مقبولاً، وعندما كنت أقول له إن هذا ليس صحيحا يشير إلى صديق لنا يردد دائما عندما يراه:
لك أنف يا ابن حرب أنفت منه الأنوف
أنت فى القدس تصلى وهو بالكعبة يطوف
ولأول مرة سمعنا عن عملية لتجميل الأنف، ولكن الجميع اتفقوا على أن أنف صديقنا «إكس» صار أسوأ، والمهم رأيه هو فلقد سافر إلى ألمانيا، وعاد به أسوأ مما كان، وصرنا نسمع كل عام عن رحلة يقوم بها لإصلاح أنفه.
ولاتحاول أن تربط بين أنف «إكس» وبين أنف البلكيمى، هذا شىء وهذا شىء آخر، «إكس» كان لديه تبرير لم نكن مقتنعين به، لكن لديه دوافع، وحتى النائب المحترم من حقه أن يفكر مثل صديقنا الممثل، لا شىء فى هذا.
الذى أتحدث عنه ما حدث فيما بعد، كان لما حدث دوى لأسباب معروفة، وبعضنا تشفى فيه، وهذا مما لا يجوز.. وبعضنا أخذها على التيار السلفى، وفى رأيى أن هذا تربص فلا قداسة لبشر، ولابد أن نجد من يخطئ من السلفيين أو الإخوان أو الليبراليين أو غيرهم..
ما قاله النائب السابق «أظنه صار سابقا!» عندما قال بحزن شديد: لقد عاملنى الإعلام كما لو كنت امرأة زانية! وإذا كان قال هذا وأتمنى ألا يكون قد قاله فأنا أحاول أن أقارن بين ما فعله النائب وبين ما فعلته المرأة.
ما فعلته المرأة كبيرة بالطبع، وجميع الأديان السماوية وغير السماوية تجرم الزنا، حتى المجتمعات التى تتساهل فيه يعتبر السب به إهانة كبيرة.
المرأة التى تزنى يحاسبها الله حسابا عسيراً ويحاسب شريكها، فلقد أضرا بنفسيهما، وربما بمن حولهما.
النائب المحترم روّع ملايين الناس عندما قال إنه هوجم واعتدى عليه، أنا مثلا تساءلت إذا كان النائب المحترم ولابد له حراسة من نوع ما حدث له هذا، فما الذى يحدث لى لو أننى كنت فى هذا الطريق، وفعلا ألغيت سفراً كان على أن أقوم به.
والنائب المحترم -كأى نائب محترم- اختاره ناخبوه، لإدراكهم أنه سيكون أمينا عليهم، أمينا على الأمة، أمينا على الدولة، فإذا كان يكذب عليهم فلن يكون أميناً وتسقط الدولة.. كانوا يسألوننا أيام مبارك إذا لم يترشح فمن يصلح لها، وكلما قلت اسماً رفعوا شفاههم استهانة، ترى ماذا يفعلون اليوم ومرشح تقدم بأركان حربه المدججين بالحشيش، وآخر ألصق بوستراته على أى شىء.. و.. و.
هل هذه هى مصر؟
قال أحدهم: ولا يوم من أيام مبارك!
وغضبت غضبا شديداً، فقاطعنى صديقى: أنت كنت تقرأ الصحف آنذاك، كانت الأخبار تحرق الدم ولكن ماذا تفعل الآن؟ ألا تحرق الدم أيضًا؟ أتصدق أننى تصورت أن الإعلاميين يجمعون لنا أسوأ ما يحدث لكى ينتقموا منا لسبب ما، ولكننى فكرت أنه لا يوجد سبب واحد لهذا.
وتعالَ معى نلقِ نظرة على أسبوع واحد أو نحو ذلك: اختيار أعضاء لجنة الدستور بالاستحواذ عكس ما حدث فى كل بلاد العالم، الصراع الشائه بين المجلس العسكرى والوزارة والبرلمان والأحزاب كما لو كان كل منها يمثل دولة معاوية.
وتركته يتحدث وغرقت فى قصة أخرى: منذ 25 يناير وربما قبلها وأنا لى أبطالى الذين أحبهم، أختلف معهم أحيانا لكننى أحبهم، من هؤلاء محمد أبوحامد، ثقافة إسلامية عميقة مع وجهة نظر متنورة تذكرنا بالسلسلة العظيمة التى نراها فى محمد عبده ومصطفى عبدالرازق وخالد محمد خالد ومحمود عاشور وجمال قطب وقد استطاع أن ينجح فى دائرة قصر النيل التى نسمع أنها أصعب الدوائر وأمام جميلة إسماعيل التى تحظى بتقدير الشارع المصرى وباحترام الدائرة.
فجأة على الشاشة الصغيرة رأيت النائب المحترم محمد أبوحامد الذى كنا نبحث عن صورة له نضعها فى بيتنا يتحدث فى مؤتمر فى لبنان يثنى فيه على سمير جعجع ثناءه على جيفارا، يانهار أسود! سمير جعجع يا سيادة النائب؟! إذا لم تكن تعرف شيئا عنه كان عليك أن تسأل أو تصمت، من أخذك إلى هذا المؤتمر؟ ألم تحس أنها الكاميرا الخفية؟
يا سيادة النائب عندما قامت إسرائيل بمذابح الفلسطينيين فى لبنان خشيت على سمعتها، فطلبت من سمير جعجع أن يقوم بالمهمة بدلا منها وله الأجر والثواب، وقامت قواته بقتل الجميع وبينهم الأطفال وبقروا بطون الأمهات ولم يبقوا على حى، وخشى جعجع على نفسه القتل أو المحاكمة فانسحب إلى إسرائيل مع قوات شارون لفترة طويلة ثم عاد.
أى طفل فى لبنان كان من الممكن أن يقول لك ذلك وأكثر منه فلماذا لم تسأل، لماذا اعتمدت على أنصار جعجع ليضلوك فى هذا الوقت وتزيد عليهم أن سمير جعجع هو الذى ألهم الثورة المصرية، قال أحدهم: ولا يوم من أيام مبارك!
قلت له: كانت أياما بشعة، ولا يجملها أننا نمر بأيام بشعة، فما نحن فيه إنجازات المخاليع، وما نحن فيه سيأتى بعده ما يسعدنا بإذن الله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ناصر
نشر موقع ديبكا الاسرائبلى خبرا غريبا مفاده أن الاخوان استولوا على الجيش وعزلوا قادته!!
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
حقد واضح
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد محمود المالح
اخطاء