تراجع الإخوان المسلمون عما اعتبروه عهدا مع الله بأنهم لن يرشحوا منهم شخصا للرئاسة، وبرر المرشد العام للجماعة فصل عبدالمنعم أبوالفتوح من الجماعة لأنه أصر على المضى قدما فى ترشحه للرئاسة بأنه كمن يقطع أصبعه، بيد أن قطع الأصبع أهون عليه من أن يخون عهد الله الذى قطعته الجماعة على نفسها من ألا تدخل معترك الرئاسة، هنا الجماعة الأكبر يجرى اختبار مواقفها على الأرض، وكيف كانت وفية للمبدأ الذى قطعته عهدا مع الله على نفسها، فالإسلاميون يمارسون السياسة ليس كغيرهم من التيارات الأخرى وإنما يمارسونها وفق ما قطعوه على أنفسهم وتعهدوا به أمام أمتهم، فنحن كإسلاميين نقول طوال حياتنا أنه مهما كان نبل الغاية فإن الوسيلة إليها لا بد وأن تكون نبيلة أيضًا.
وفى الخيال الجماهيرى المصرى الذى منح الإسلاميين أصواته فى الانتخابات البرلمانية وانتخابات الشورى أن الإسلاميين هم جند الله ثقافة وأخلاقا -كما عبر كتاب مهم لسعيد حوى- وأن جند الله هؤلاء قادرون على أن يرتفعوا إلى مستوى اللحظة الفارقة التى تعيشها البلاد -كما عبر الشيخ حازم أبوإسماعيل- ومن ثم فإنهم قادرون على أن يجلسوا إلى مائدة واحدة ويتخذوا قرارا استراتيجيا واضحا بأن يتكتلوا خلف مرشح واحد إسلامى إعمالا لقوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، وهنا ميراث إسلامى هائل يخبرنا أن الفرقة عذاب والاعتصام نجاة، هنا فإن الثقة التى أولاها الناس للإسلاميين باعتبارهم «جند الله» القادرين على تجاوز رؤاهم الذاتية ومصالحهم الخاصة من أجل تطبيق شرع الله ومن أجل وحدة الأمة ومن أجل الذهاب بعيدا عن التفرق والتنافس، هذه الثقة سوف تهتز كثيرا، وهنا فإن صورة الإسلاميين تتعرض لما يشبه الانكسار فى وعى وخيال الشعب والجماهير الذين منحوهم ثقتهم.
الجهات الإسلامية العلمائية والدعوية التى تضم بين جنباتها الحكماء وأهل الحل والعقد بتعبير المهندس «خيرت الشاطر» حين التقى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، بدا أن الجهد الذى تقوم به هو جهد احتفالى أكثر منه جهد للإلزام المعنوى لكل المرشحين بالوقوف خلف مرشح إسلامى واحد، والبحث عن صيغ لفريق رئاسى يمكن أن يجمع ذلك المرشح الرئاسى الإسلامى الواحد ومعه فريقه الرئاسى الذى يمكن أن يشمل عددا من النواب «ثلاثة مثلا»، وعددا من المساعدين، إذا لم يستطع الإسلاميون أن يتحدوا بمرشح رئاسى واحد وبفريق رئاسى معه، فإن الفرصة التاريخية التى بين أيديهم اليوم سوف تضيع منهم، ولا نعرف على وجه الدقة كيف سيكون حساب التاريخ لجماعة الإخوان المسلمين وللدعوة السلفية ولغيرهما من القوى والتيارات الكبيرة الذين ترددوا فى دعم حازم صلاح أبوإسماعيل من جهة ثم الدفع بمرشح رئاسى بشكل مفاجئ من جهة أخرى، وهو ما سيفتت الصوت الإسلامى ويفتح احتمالات واسعة لإمكان أن يأتى مرشح من بقايا النظام السابق.