فى وسط الأجواء المشحونة إزاء انتخابات الرئاسة لاحظت أن التعصب للمرشحين يتنامى تدريجيا كلما اقترب موعد الحسم، من حسموا أمرهم فى اختيار مرشحهم لا يقبلون أن يتساءل أحد عن مؤهلاته أو مدى جدارته بالمنصب، يمارسون نوعا من الإقصاء المصحوب بتشويه المرشحين الآخرين، لا لشىء إلا لنصرة اختيارهم، نتعامل مع الانتخابات بعقلية تشجيع كرة القدم، لا يهم البعض إلا تشجيع مرشحهم حتى النهاية دون النظر إلى مصلحة البلد التى ستتورط فى هذا المرشح والتى من الجائز أن تغرق فى الندم وقت لا ينفع العض على الأصابع.
فرق كبير بين فريق تشجعه ليمتعك أو ليشعرك بأنك تفوز رغم عدم بذْلِك لأى مجهود سوى مجهود الفرجة وقزقزة اللب أمام التليفزيون أو فى الاستاد، ومرشح فى انتخابات تؤيده وتناصره وأنت تعرف أن مصيرك ومصير أبنائك وبلدك سيتعلق بيديه، انتصار فريق الكرة يعنى أن المباراة انتهت، وانتصار مرشحك يعنى أن المباراة بدأت، لذا تذكر جيدا أن محصلة فوز فريقك فى المباراة هى معايرة مشجعى الفريق المنافس على القهوة، والتمتع بمشاهدة احتفاليات النصر أو المشاركة فيها، لكن محصلة انتصار من تدعمه فى الانتخابات هى أن مستقبل الوطن بأكمله سيتعلق به وسيكون مرهونا بمؤهلاته وقدراته وخياله الإبداعى وحسن إدارته ونزاهته وشفافيته.
يسألك أحدهم: هتنتخب مين؟ فتقول: فلانا، فيبادرك متحسرا «هو كويس بس مش هيكسب، فلان هو اللى هيكسب وعشان كده هديله صوتي» كما لو كان الفوز هو أحد مؤهلات المرشح وليس أحد أهدافه، كل همهم أن يشجعوا «الفريق الكسبان» أو من يظنون أنه سيكسب، وبذلك يخضعون بكامل إرادتهم التعصبية إلى آليات تصدير الوهم والإيهام بالفوز اليقينى التى تتقنها بعض الجماعات والأحزاب، وللأسف هذه النفسية المرتبكة هى ما يلعب عليه بعض المرشحين بعد أن عرفوا أن هناك قطاعا عريضا من الناخبين يحبون تشجيع الكسبان، حتى وصل الأمر ببعض المرشحين إلى الادعاء بأنه سيفوز من أول جولة، غير منتبه أن كلمته هذه بها الكثير من احتقار الشعب المصرى والاستهانة بإرادته.
أخطر ما فى الأمر هو أن بعضنا لا يقبل أن يتشكك أحد فى رأيه، وإذا ما تقابل اثنان يؤيدان مرشحين مختلفين فسرعان ما تتحول المقابلة إلى مساجلة ثم مناكفة ثم معايرة وتبلغ الدراما ذروتها حينما يبدأ أحدهم فى تشويه مرشح الآخر، فيسارع غريمه إلى التشويه هو الآخر ثم إلى الاتهام ثم إلى السب، لتتحول المناقشة بقدرة قادر إلى صراع غير حميد، وبدلا من أن تسهم المناقشة فى تلاقح الرؤى وتنقيحها بما يعمم الاستفادة على الجميع تصبح إيذانا بالمعركة وبابا لمزيد من التعصب، وينصرف الاثنان وبقلب كل منهما غصة تجاه الآخر، ثم يتحول المجتمع إلى جزر منعزلة يحارب بعضها بعضا، والأقوى إعلاما والأكثر قدرة على التنظيم يصبح هو الفائز لا عن جدارة ولا عن خبرة ولا عن استحقاق وإنما عن استثمار لروح التعصب والتصارع والبروباجندا الزائفة.
الانتخابات ليست مباراة كرة قدم، وكرسى الرئاسة ليس كأسا يرفعه الفريق الفائز، ومصر أمانة بين أيديكم، ففكر ثم فكر ثم فكر ثم حكم عقلك وضميرك ووجدانك، وانتخب من تراه صالحا دون النظر إلى حجم شعبيته أو كثرة دعايته، أجل، مصر دائما من وراء القصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة