يركز الإعلام على العنف الدينى باعتباره العنف الذى يهدد البلاد، وفى الواقع فإنه استند إلى بعض المؤشرات الخاطئة لتتحرك ماكينته بالشكل القديم الذى اعتادت عليه لتحذر من عنف تيارات هامشية داخل الحالة الإسلامية.
بالطبع فإن الاعتياد يولد الاحتراف بمعنى أن اعتياد آلة الإعلام على التعامل مع الإسلاميين باعتبارهم قوة تحمل فى داخلها احتمال الذهاب إلى العنف وهذا كان جزءا من النظام البائد، سهل عليهم اعتبار نزول المهندس «محمد الظواهرى» إلى اعتصام العباسية عنوانا لعنف القاعدة القادم لمصر.
واعتبر الإعلام أن الرايات السوداء وظهور بعض الملثمين فى اعتصام العباسية مؤشرا على وجود احتمالات لعنف قادم من جهة التيار الإسلامى.
نقول: هذا كله محض لهاث إعلامى لصناعة قصة وهمية يمكن أن تكون مثيرة وجاذبة للمشاهدين، فالإسلاميون يخوضون تجربة سياسية فى بواكيرها، وهناك ملاحظات عديدة عليها، بيد أن هذه التجربة تمتص طاقاتهم نحو العمل السياسى والأهلى والمؤسسى لنصبح أمام قوة اجتماعية وسياسية تغادر العنف تماما إلى أن تكون جزءا من العمل السياسى ومن قواعد اللعبة السياسية السلمية القائمة على التنافس واحترام الآخر وليس التغيير الانقلابى الذى يقصى القوى الأخرى.
كل هذا يحدث بينما لم نر تحقيقا جريئا يتحدث عن العنف الاجتماعى الذى تدعمه قوى الأمن الرسمية التى تعبر عن الدولة بمعناها الواسع، ولا نستثنى من ذلك الشرطة العسكرية نفسها التى كانت حاضرة فى مشهد العنف دائما سواء فى محمد محمود أو فى العباسية.
التطور الأخطر فى العباسية وعنفها الصادم والقاسى أن شرعية الدولة المصرية جرى توظيفها لاستثارة وتأليب قطاع من المجتمع «ضد الثورة»، فى مواجهة قطاع آخر من المجتمع «مع الثورة»، وقد كنت مختفيا بالعباسية فى مدخل إحدى العمارات الكبرى ومعى عدد كبير من المتظاهرين، وكنا نسترق السمع لما يجرى فى الخارج، كانت قوى الثورة المضادة ترقص مع ضباط الجيش وجنوده احتفالا وابتهاجا بالقضاء الحاد على المتظاهرين والمعتصمين فى العباسية.
هذا فى الواقع يفتح الباب واسعا أمام تعميق حماية قطاعات فى المجتمع من قوى الثورة المضادة مما يمكنها أن تقود العنف فى مواجهة قوى الثورة وهى ترى أنها تقوم بواجب وطنى لحماية الدولة المصرية العميقة فى مواجهة من يحاول الاعتداء عليها وتغييرها.
هذا يفتح البلاد فى الواقع على احتمالات عنف اجتماعى لقوى الثورة المضادة فى مواجهة قوى الثورة، خاصة وأن قطاعات من الدولة المعبرة عنها تعزز هذا الاحتمال بحماية قوى الثورة المضادة من البلطجية وسماسرة العنف الذين كانوا فى خدمة الدولة القديمة.
وإذا كان عنف الإسلاميين فى التسعينيات برر للديكتاتورية والاستبداد من ناحية، وأفقد الدولة المصرية شرعية تعبيرها عن المصريين، فإن العنف الاجتماعى الحالى المدعوم من بقايا أجهزة أمن النظام القديم يعطل أجندة الثورة وتحول البلاد ناحية نظام سياسى مدنى بلا عسكر.