د. محمد محسوب

الغرض مرض

السبت، 12 مايو 2012 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المشهد ملتبس والعيوب المنطقية تسبق العوار الدستورى وتضرب كل خطوة نخطوها؛ فانتهت التعديلات الدستورية التى استُفتى عليها الشعب إلى الاندماج فى إعلان دستورى ركيك لم يُستفت عليه الشعب؛ والانتخابات البرلمانية التى حلمنا أن تأتى ببرلمان الوفاق جاءت ببرلمان يغلب عليه الشقاق؛ والجمعية التأسيسية التى تمنينا أن تضمد جراحا قديمة فتحت جراحات عميقة جديدة؛ والانتخابات الرئاسية التى انتظرناها نهاية لمرحلة انتقالية أمست مصدرا للقلق وأعلى ما نتمناه من ورائها أن تتم لتكون بداية لمرحلة انتقالية جديدة.

لا يمكن أن تكون غفلتنا مركبة حتى وصلنا لهذا الركام من الأخطاء والسقطات بحسن نية؛ فالمشهد يشير إلى التباس فى النوايا الباطنية وإلى أغراض فردية وحزبية تداخلت مع الغرض الأساسى من الثورة فأنتجت مزيجا غريبا من سلوكيات سياسية غبية وغير المبررة ومعارك للتعفير وزيادة الغبار فى سماء هى أصلا مغبرة، لا نحقق من ورائها شيئا سوى سقوط شهداء جدد وضحايا جدد.

وفى خضم تلك الأحداث الجسام والوقائع الكبرى التى لا تعبر إلا عن صبيانية فى الأداء السياسى وتقديم المصالح الحزبية والفردية على المصالح الوطنية، يضيع الهدف الأساسى من الثورة التى قامت والدماء التى سالت والمخاطر التى واجهناها؛ وهو إحداث التغيير الذى ينتظره الجميع للانتقال إلى ما يستحقه الشعب من حرية ونهضة ورفاه. ومن ينفى عن نفسه الغرض، إنما يلقى فى عيوننا بالتراب، إذ من أين جاءت كل تلك الأخطاء والأمراض ما لم تكن من صنع أيدينا ونتاج نوايانا؟!

لا يمكن لمن يدير المرحلة الانتقالية أن يجعل لنفسه مصلحة فيها ويتحول لمنافس بين منافسيها سوى أن يكون صاحب غرض، لأنه أخل بأول وأبسط قواعد إدارة المراحل الانتقالية، وهى ألا تتداخل مع القوى السياسية ولا تسعى لتحقيق مصلحة ذاتية من خلال إدارة المرحلة، إذ يجب أن يكون مدير المرحلة الانتقالية كحكم المباراة لا يهبط بنفسه ليصبح لاعبا فيها، وإلا فكيف يمكن له أن ينذر من أخطأ ويعاقب من أخل أو أن يخرج كارته الأحمر لمن أخل بقواعد اللعب دون أن يتهمه الآخرون أنه إنما يفعل ذلك ليحقق مصلحة لنفسه باعتباره لاعبا كاللاعبين وخصما لا حكما؟!

واللاعبون، عندما وجدوا حكم المباراة يتخلى عن دوره ويصبح لاعبا كأحدهم، استساغوا الخروج على القواعد وأدمنوا الأخطاء؛ حتى أعلن فريق الأغلبية أنه لا يكتفى بأغلبيته وإنما سيسعى لطرد الفريق المنافس ليلعب هو مع نفسه كامل المباراة؛ وعلى الجميع أن يرضى بدور المتفرج من مدرجات بعيدة غير مجهزة.

أما الجمهور فهو مستاء من المشهد ومن إهدار الجميع لحقه فى المشاركة وادعاء كل طرف بأنه يمثله ويتحدث باسمه ويعبر عن طموحاته، فتحوّل إلى ألتراس يحاول أن يفض المباراة جملة، سواء بإلقاء زجاجة أو طوبة أو بالشتم والسباب؛ ويفكر فى الهبوط إلى الملعب ليفض المباراة وينهى المشهد؛ لنوقف الدورى ونبدأ عملية بحث جديدة عن خطة طريق وجدول متوازن وقواعد خالية من عيوب الغرض.

خلال الأسبوع الماضى كنت فى السويس والعريش والتقيت شبابا وشيبا من أبناء مصر، يجمعهم، رغم اختلاف نوازعهم، القلق على الوطن والمستقبل بسبب أداء الجميع دون استثناء. فلم يعد أحد يهتم بأن ينافح عن فريقه أو عن مرشحه بقدر السعى للإعلان عن قلقه والتعبير عن تبرمه وعدم رضاه؛ إذ يبدو أن الشعب أدرك أخيرا أن للجميع غرضا وأن الغرض هو أصل المرض؛ وبدأ يبحث عن بدائل خارج المتصارعين أمامه.

وهذا هو ما يفسر استطلاعات الرأى التى عبرت عن تحول الكثيرين ممن أيدوا أحزابا بعينها عن تأييدهم لها، وعدم اهتمام الكثيرين بتلك العواصف القانونية التى تكاد تعصف بالمعركة الرئاسية، لأنه علم أن المشكلة ليست فى القوانين والأحكام وإنما فى النفوس والضمائر.

ورغم كل ذلك، فمازالت انتخابات الرئاسة متاحة لأن تكون سبيلا للترفع عن الأغراض وإخلاص النوايا وإعادة بناء الثقة بين الجمهور والنخب السياسية لو تخلى البعض عن مصلحته لأجل مصلحة الوطن ولم يصر طرف على تحويلها لمعركة غايتها تحقيق الغنائم أو تحقيق النقاط على طرف آخر وأن نؤسس من خلالها لوفاق تصبح معه الانتخابات الرئاسية بداية لفترة انتقالية جديدة يجتمع فيها الكل على إرساء ديمقراطية وحرية وعدالة تسع الجميع ولا تقصى أحدا.








مشاركة

التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

م حسن عيسى

امة تضيع بين نكران الحقائق وفلسفة الحقوقيين

عدد الردود 0

بواسطة:

اشرف محمود محامى

تحية للدكتور محمد محسوب عميد كلية الحقوق جامعة المنوفية و عضو البرلمان عن حزب الوسط

عدد الردود 0

بواسطة:

ali

فعلا محسوب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة