لم تعرف العلاقات بين الدول العربية، تقارباً وتميزاً وتفرداً مثلما تشهدهما مصر والمملكة العربية السعودية طوال السنوات التى تمتد إلى مئات السنين، ولعل الأمثلة كثيرة جداً يصعب حصرها إلا أننى فقط أتوقف عند موقف السعودية فى أعقاب انتصارنا فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973، واستخدمت السعودية وقتها سلاح البترول وانبهر العالم كله وتعالت بعدها كرامة العرب جميعهم.. والحقيقة أننا ما عرفنا يوماً ما خصاماً أو خلافاً بيننا، بل لم يحدث أبداً ما يكدر الجو فى سمائنا.. وبقيت السعودية صديقة وجارة وقلب كل العرب الروحى، حيث مكان إقامة الشعائر الدينية سواء موسم الحج أو أداء فريضة العمرة، فى أوقاتها المختلفة طوال العام.. إلا أننا فوجئنا جميعاً منذ أيام بما يعكر صفو العلاقات.
وقد أدهشنى أنا شخصياً هذا التصاعد الغريب الذى حدث من لا شىء.. وقد أحزننى أن أتابع التظاهرات غير المسؤولة أمام مقر السفارة السعودية فى القاهرة.. والتى بسرعة غريبة طورت من الأحداث الصغيرة وحولت من قضية خاصة لم تحسم بعد إلى قضايا كبرى، وإلى جانب ذلك تصاعدت ألفاظ لا تليق بمصر ولا بشبابها ولا بثورتها ولا بقدوة الضمير الوطنى.. هذه التصرفات غير المسؤولة تحولت إلى كارثة استغلها بعض الفضائيات وكان لابد أن تحسم، وكان أن سحبت السعودية سفيرها من مصر وتم إغلاق السفارة فى القاهرة والقنصلية السعودية فى الإسكندرية والسويس، وتوترت العلاقات.. حتى وصل المملكة العربية السعودية وفد رفيع المستوى يضم كل أطياف المجتمع من جميع الأحزاب ورموز الأزهر والكنيسة.. وكان اللقاء وديا تماما حيث استقبلهم ملك السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذى حرص على أن يقابلهم بنفسه وأكد أن السفير أحمد عبدالعزيز القطان سيعود إلى مصر خلال 24 ساعة وسوف تطوى هذه الصحفة الكئيبة التى لا تعبر عن شعب مصر ولا تعبر عن العلاقات العميقة والقوية جداً بين السعودية ومصر، وبالفعل عاد السفير أحمد القطان إلى وطنه الثانى مصر، مؤكدا أن مصر فى قلب ملك السعودية وما حدث ما هو إلا سحابة صيف وانقشعت وزالت.. وبقيت العلامات القوية التى تشير إلى أن الشعبين واحد، وأن القاسم المشترك الأعظم بينهما لا يمكن أن يعكره أحد مهما كان.. والحقيقة أنه بعد زوال هذه الأزمة.. أحس أنه لابد أن نستفيد منها.. لأن الذى حدث كان بشعا ومن الحكمة أن نتعلم كيف تدار الأمور.. ومتى نتظاهر وكيف.. ومن هم الذين يفتحون النيران فى صدورهم قبل صدورنا حتى يشعلوا الحرائق بلا معنى ولا ضمير.. ما حدث لابد أن نتعلم منه كيف يكون الحوار.. الحوار كلغة وكمعنى وكتواصل بين الأجيال أولا وبين الشعوب ثانياً.. وكيف يكون الحوار هذا مدخلاً للتفاهم حول أى قضية تعاظمت أو هبطت لأن السعودية تضم أكثر من مليون مصرى يعيشون فوق أراضيها الطاهرة.
ما يحدث يعلمنا أن الروابط التاريخية والإنسانية والتاريخية الجغرافية إلى جانب التاريخ الروحى بيننا.. يجعلنا أن نكون دائماً يدنا فى يد البعض دائماً.. ولا مكان بيننا للمرتزقة ونافخى النار فى وجوه الحقيقة.