محمد الدسوقى رشدى

فلسطين.. ألم الذكريات

الأربعاء، 16 مايو 2012 07:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كنت من عشاق القهوة الزيادة فسوف تدرك فورا معنى تلك «المرارة» الذائبة فى فنجان قهوة سادة تشربه غصبا، لا لشىء سوى أنك قررت أن تقدم واجب عزاء فى واحد من أموات الفشل الكلوى أو السرطان أو ما تبقى من أمراض عصر مبارك.

«مرارة» القهوة السادة التى أجبروك على تذوقها فى العزاء، الذى لا تحضر منه سوى ربع قرآنى لا يستمر أكثر من ربع ساعة، تظل عالقة فى ذهنك حتى آخر العمر وتدفعك لكى تكون أشد حرصا فى المرة المقبلة.

تذوقنا طعم «المرارة» بالإجبار من فنجان أقسى بكثير من فنجان القهوة السادة.. تذوقنا «المرارة» من فنجان الهزيمة التى جاءت مُذلة وقاسية ومازال طعمها يعيش فى أفواهنا وعقولنا رغم أكثر من 60 عاما مضت على ميعاد شرب فنجان «نكبة 48».

صحيح تذوقنا حلاوة النصر فى 1973 ونعيش حلاوة المقاومة طوال هذه السنوات الطويلة، ولكن طعم الحلاوة لم يدم كثيرا ربما لأن مرارة الهزيمة كانت أشد وأقسى من أن تمحوها قطعة حلاوة واحدة وهزيلة رغم كل التضحيات التى تمت من أجل صناعتها، أو ربما -وهو السبب الأقرب للحقيقة- أننا فشلنا فى الحفاظ على طعم النصر وحلاوته ونجحت إسرائيل فى أن تغلق أفواهنا وقلوبنا على ذلك الطعم المر الذى أذاقته لكرامتنا منذ النكبة مرورا بالنكسة وانتهاء بالخلافات الفلسطينية ومعارك فتح وحماس.

السادات أزال من أفواهنا بعض من مرارة النكبة والنكسة، ثم عاد بنفسه ليخطف أجزاء من قطعة الحلاوة التى صنعها فى أكتوبر 1973وهو يوقع على أوارق غير منطقية للسلام كان من الممكن أن تكون فى مصلحتنا أكثر، ومبارك جاء وهو مصمم على أن يزيل ما تبقى منها حتى لو كان مجرد حلاوة شعر سهلة الذوبان.. فى الأول نسبوا له الانتصار بأكمله «أول ضربة جوية فتحت باب الحرية» ومسحوا بأستيكة قطرات دماء الرجال التى سالت على رمال سيناء، بينما كان الرئيس نفسه يجلس فى غرفة العمليات منتظرا النتيجة، وبعد ذلك عاد ليسقى عقولنا من نفس البئر التى تسكن فيها أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر حينما يكرر جملة متغيرة الصياغة تقول بأننا لا نقوى على مواجهة إسرائيل.. فلم يعد للانتصار طعم، ثم وقف مشلولا وعاجزا أو ربما متآمرا أمام وضع القضية الفلسطينية والخلافات الطاحنة بين الفصائل.

وأرض سيناء أعادها مبارك إلى أحضان اليهود يتحركون فيها بحرية أكثر من أهلها ويشترون ويستثمرون بقوة وبسرعة تقول بأنه لن تمر إلا سنوات قليلة ويرفرف العلم الإسرائيلى هناك مرة أخرى، وحدوتة الأربعين ألف متر التى اشتراها اليهود فى شرم الشيخ بمساعدة رجال أعمال قطريين واحدة من ضمن آلاف «الحواديت المستخبية» عن أرضنا التى تضيع.

لم أعش وقت النكبة أو زمن هزيمة يونيو ولكننى أشعر بها الآن، «مرارتها» تملأ فمى، ولم أعش أيام أكتوبر التى أفخر بها ولكن للأسف حلاوتها لم تعرف طريقا لفمى، والبركة فى الرئيس السابق الذى كان يعشق كثيرا فتح أبواب مطار شرم الشيخ على البحرى لكل رئيس وزراء إسرائيلى يستقبله ويحتضنه ويبتسم فى وجهه، وكأن لم يكن شىء من كل تلك الدماء التى روت رمل سيناء أو أرض فلسطين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة