الاعتراف بالحق فضيلة، مقولة خالدة وتصلح أن نقولها الآن، حيث إننا مازلنا نخطو بالفعل أولى خطواتنا نحو الديمقراطية المنشودة، فكل الممارسات التى نقوم بها سواء فى أدائنا وأداء أحزابنا ومؤسساتنا التشريعية بوجه خاص لا تزال حتى هذه اللحظة غير معبرة عن احترام قواعد العمل الديمقراطى على النحو الفعال، ولعل أبرز الأمثلة على هذا الأمر هو محاولة البرلمان استصدار تشريع قانونى يخص الانتخابات الرئاسية، بعد أن تم تشكيل اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات التى فتحت أبوابها لتلقى طلبات المرشحين، وتم تحديد المرشحين الذين سيخوضون سباق الرئاسة والمرشحين المستبعدين، وتم الطعن على قرارات الاستبعاد وصدر قرار اللجنة العليا فى هذا الشأن وتم تحديد موعد الاقتراع، فهل يعقل بعد هذه الخطوات أن يبادر البرلمان بتعديل قانون الانتخابات الرئاسية من تلقاء نفسه وليس بسبب ضرورات معينة تمليها مستجدات تطلب هذا التعديل.
المثال الثانى أيضا على هذه الحالة، هو قانون العزل السياسى الذى صدر أيضاً من قبل البرلمان أثناء عملية تلقى طلبات الترشح للبرلمان، أى بعد فتح باب الترشح للانتخابات، وصدر القانون فى هذه المرحلة ليصادر حقوق بعض المرشحين فى الترشح لانتخابات الرئاسة ليس لارتكابهم جرائم معينة ومحددة، ولكن بصفتهم الوظيفية فى ظل النظام القديم السابق على الثورة، وهنا فكل من له علاقة من قريب أو بعيد بصناعة التشريع يعلم أن إصدار تشريع يقيد حقوق المواطنين دون حكم قضائى وبسبب ارتكاب جريمة وقبل وقوع الجريمة وليس قبلها هو والعدم سواء، لأنه افتقد أهم سمة من سمات التشريع، وهى أن تكون القاعدة القانونية عامة ومجردة أى أنها لا تكون خاصة بشخص معين أو أشخاص بعينهم، وهو الأمر الذى يبرره البعض بأن هذا الانحراف بالتشريع يأتى لكوننا فى ثورة، وهذا دفاع مقبول لو أننا لم نقرر الانتقال من الثورة إلى الدولة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وننتقل إلى مرحلة بناء المؤسسات القانونية للدولة الحديثة فى ظل الجمهورية الثانية. والمثال الثالث فى هذا الإطار، هو سعى البرلمان لتقديم مشروع قانون لتخفيف العقوبات على كل من تجاوز حد الإنفاق الانتخابى وإزالة العقوبات السالبة للحرية فى هذا السياق، أى أن البرلمان يريد إعطاء مشروعية لمخالفة القانون، فالبعض تجاوزت نفقاته أربعة أضعاف المبلغ الذى حددته اللجنة.
والدليل على بدائية التجربة أيضا قيام برلمان الثورة بإصدار قوانين مقدمة من أحزاب أو أعضاء يمثلون أحزابا لديهم مرشحون وبالطبع لديهم مصلحة خاصة فى إبعاد المرشحين المنافسين بأى طريق، الأمر الذى بموجبه كان عليهم الامتناع عن تقديم هذه المشاريع بقوانين، تحوطا من الاتهام بأنهم لا يتوخون المصلحة العامة، لا سيما أن مبدأ المصلحة العامة حاكم لكل أعمال السلطات فى الدولة وحتى لا يتهم البرلمان بعيب الانحراف بالتشريع أى أن التشريع لا يستهدف مصلحة عامة، وإنما يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية أو حزبية.
ولا يقتصر الأمر فى هذا على البرلمان فحسب، بل أيضاً فى المرشحين للرئاسة قاطبة، فقد جاءت البرامج الانتخابية الخاصة بالمرشحين من خلال التركيز على العناوين العريضة للمشكلات العامة للمجتمع المصرى، دون تقديم حلول واقعية لهذه المشكلات وخطوات ملموسة وخطط فعلية، فضلا على تجاهل قضية جوهرية، ألا وهى قضية البطالة التى تنخر كالسوس فى الجسد المصرى، حيث تعامل البعض مع هذه المشكلة باستخفاف بالغ دون البحث أو طرح آليات فعلية للحل، وقد تجلى هذا الأمر أيضاً فى المناظرة الرئاسية الأولى فى تاريخ الدولة المصرية التى تحسب فى قيامها كخطوة أولى نحو الديمقراطية إلا أنها أبرزت لنا أمراً فى غاية الخطورة ألا وهو أننا مازلنا فى المراحل الأولى للديمقراطية.