"ليس لمجرد أنهم عملوا فى النظام السابق يجب علينا أن نلفظهم ونتعامل معهم بالإقصاء"، هذه هى المقولة التى رددها فى البداية المستفيدون من نظام مبارك أو الخائفون من ضياع أحلامهم بعد سقوطه، ثم انتقلت تلك المقولة إلى الإعلام، حتى وصلت إلى لسان البسطاء الذين يبحثون عن العدل فقالوها خوفا من ظلم من ظلموهم على مدار عقود!!.
بداية، فإن الإنصاف يقتضى أن نقول إن بعض من عملوا مع نظام مبارك كانوا شرفاء ومحترمين، لكن من ينتمى لهذه الفئة، لم يستمر طويلا، وخرج لأنه ليس فاسدا، ولأن المناخ المحيط بالنظام، كان مهيئًا فقط لاستمرار الفاسدين أو المنافقين أو أصحاب المصالح.
الآن، وبعد ثورة 25 يناير، وبعد خطأنا الأكبر بعدم عزل رموز وأركان نظام مبارك، بدأت الانتخابات الرئاسية، وجاء مرشحو النظام السابق، يسعون لخداع الشعب مرة أخرى، يروجون لنفس الأكاذيب ويبيعون الوهم والأحلام للبسطاء.
الذين ظلموا شعبا بأكمله، سواء بالمشاركة فى الظلم والفساد أو بالسكوت عنه، لم يجدوا شيئا يقنعون به الناخبين ليصوتوا لهم فى الانتخابات الرئاسية، إلا بالقول إنهم "رجال دولة" وأصحاب خبرات، وهم الأدرى بمكونات النظام، والأدرى بكيفية إدارة الدولة!!.
لم يخجل هؤلاء من أن يقولوا إن لديهم خبرة فى إدارة الدولة، وهم الذين تسببوا فى سقوط مهين لنظامهم البائد، خلال ثمانية عشر يومًا، أداروا فيها الأزمة بتخبط وعدم وعى، مثلما أداروا الدولة على مدى ثلاثة عقود بكل رعونة وجهل، ثم بعد ذلك يتحدثون عن الخبرة وعن "رجال الدولة"!! .
لو أننا نبحث عن الخبرات الدبلوماسية فقط، فإن هناك العديد من الشخصيات الدبلوماسية المحترمة، ممن أدت عملها بكل تجرد، وليس تلك التى تلبس الآن ثوب المعارضة، بعد أن ظلت تعمل مع نظام مبارك لمدة عشرين عاما، مبررة موقفها المخزى بأن هذا هو ما كان متاحًا، مع أن اثنين من وزراء خارجية مصر، ومعهما عدد من الدبلوماسيين، قدموا استقالتهم فى السبعينيات، اعتراضًا على كامب ديفيد أو على بعض بنودها، ولم ينتظروا رحيل السادات كى يعلنوا خلافهم معه.
لو أننا نبحث عن الخبرات العسكرية، فهناك قادة عسكريون فى قمة الوطنية، أدوا عملهم، وخرجوا فى صمت، وهُمشوا لأنهم رفضوا أن يوقعوا على بياض لصالح النظام، فتمت معاقبتهم بإبعادهم عن المناصب والعطايا، ولم يتم ترقيتهم ليصبحوا وزراء ورؤساء وزراء.
لو أننا نبحث عن أصحاب خبرات فقط ورجال دولة ـ بمعناها الضيق ـ للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فإنه علينا الآن أن نُخرج مبارك من محبسه، ليقود البلاد، لأنه المصرى الوحيد على قيد الحياة الذى عمل من قبل رئيسًا للجمهورية!!.
نحن نبحث عن إمكانيات ومؤهلات وخبرات المرشحين بمعناها الواسع، ونبحث عن معانٍ افتقدناها فى مسئولين كثر، ممن يطلقون على أنفسهم الآن رجال دولة، نحن نبحث عن معانٍ، مثل العدل والشجاعة والعمل من أجل مصلحة الوطن وليس من أجل المصلحة الخاصة.
نريد رئيسًا لنا وليس للآخرين، فى حين أن معظم من كان جزءا من نظام مبارك لعقود تشرب طباع ذلك النظام، من أنانية وانتهازية وقلب للحقائق، وحب المصلحة والمنصب، ولا يدرى معنى أنه خادم للشعب جاء من أجله.
نحن لا نريد رئيسًا خبيرًا فى تكتيكات الحرب وخططها، لأن هذه ليست مهمة رئيس الجمهورية، لكنها مهمة قادة الجيش، ولا نريد رئيسًا يجوب دول العالم ويحل مشاكل العالم الخارجى ويعقد من أجل مجده الشخصى المؤتمرات والاتفاقات الدولية، دون أن يكون ذلك بالضرورة لصالح شعبه.
نحن لا نريد مرشحًا يدغدغ مشاعر الناس الذين يبحثون عن الأمن، ويستغل عواطفهم، فيصور لهم نفسه على أنه الوحيد القادر على جلب الأمن سريعا، وحين يصل للحكم، يعمل بنفس العقلية العقيمة السابقة، فتتحسن بالفعل الأوضاع الأمنية بعض الشىء، لكن تظل المسببات، كما هى، دون علاج، ويظل الغليان فى المجتمع مستمرًا، فتنفجر الأوضاع مرة أخرى، ونبدأ الطريق من جديد.
نريد رئيسًا يدرك طبيعة وثقافة شعبه وخلفيته الدينية، يحفظ لنا الأمن بالعدل، وليس بالقهر، رئيسًا يؤمن بأن العدل أساس الملك، رئيسًا يحرص على كرامة المواطنين فى وطنهم، يعرف مبادئ حقوق الإنسان واحترام حرية الرأى، رئيسًا يدرك أن خطيئة نظام مبارك هى اعتقاده بأن من سيحافظ على نظامه هو عدد الأجهزة الأمنية، وليس تلبية مطالب الشعب.
نريد رئيسًا يدرك أنه يمثل شعبًا ولا يمثل نظامًا، رئيسًا يؤمن بأهمية توعية المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، وليس رئيسًا يُسخر وسائل الإعلام لتزييف وعى المواطنين وتخدير عقولهم، رئيسًا يسعى للنهوض بالمواطن، وبمستواه العلمى والتعليمى.
نريد رئيسًا يسعى لتحقيق تنمية اقتصادية ورعاية صحية لكافة المواطنين، يعرف معنى أن يتخرج شاب فلا يجد وظيفة، ومعنى أن تصبح المرأة بلا راتب ولا عائل، ومعنى أن يتسول الموظف والعامل والفلاح ليجد ما يكفى أسرته، وليس رئيسًا يهرب من المشكلات التى تواجه مواطنى بلاده بالبحث عن انتصارات زائفة فى الخارج.
نريد رئيسًا يصحو من نومه فيسأل عن هموم المواطن وشكواه ومشكلاته، وليس رئيسًا يصحو من نومه فيسأل عن مدى جاهزية تشكيلات الأمن المركزى وقدرتها على التصدى للمواطنين.
نريد رئيسًا يسعى لحل مشاكلنا بطريقة عملية وبخطوات جادة وليس بالكلام المعسول، الذى استمعنا له على مدار عقود، نريد رئيسا تاريخه ومواقفه ونضاله يشير لصدقه وإصراره وقدرته على تنفيذ برنامجه وتحقيق الأهداف التى انتخبناه من أجلها، وليس بمجرد أن يصل للحكم، ينسى من انتخبوه، نريد رئيسا كان فى زمن مبارك يشعر بنا ويدافع عن حقنا ورشح نفسه الآن من أجلنا.