كشفت الانتخابات الرئاسية عن خطاب للدعاة الإسلاميين يرى قطاعات فى المجتمع أنهم أئمة الكفر، وأنه يجب قتالهم، وهذا الخطاب جاء فى مؤتمر انتخابى للإخوان المسلمين لدعم مرشحهم.
وهو ما يعنى أننا أمام مشهد مزدوج، خلاصته أننا نريد من الشعب أن ينتخب مرشحنا، وفى نفس الوقت وفق قواعدنا نحن، والتى تنتهك هذا الشعب ولا تمنحه فرصة أن يختار وإنما نحن - أى الدعاة والسياسيين الإسلاميين - هم من يحدد للشعب قواعد الاختيار.
نقولها بوضوح: إن الموقعين عن رب العالمين - كما وسم ابن القيم كتابه الهام إعلام الموقعين عن رب العالمين - يجب لهم ألا ينخرطوا فى عمل حزب يؤيدون فيه بشكل واضح مرشح جماعة معينة فى مواجهة مرشحين آخرين، خاصة لو كان هناك عدد من المرشحين الإسلاميين للرئاسة.
لدينا ثلاثة مرشحين إسلاميين، كلهم لديه اجتهاده ولديه اختياره، وهى اجتهادات كلها سائغة ورؤى تستند للعقل، وهى موافقة للشرع باعتبار أنهما لا يتعارضان، فهل لو قال لى مرشح إسلامى إننى أريد أن أجعل مصر قوية وأهلها حياتهم أفضل، أليس ذلك مشروعا من الناحية الإسلامية، لأن العقل يقول إن جعل حياة الناس فى مصر أفضل على مستوى الوضع الحياتى الاقتصادى والاجتماعى هو مقصد شرعى، فالإسلام يكفل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل مواطنى الدولة الإسلامية.
ومن ثم فقول الدعاة والعلماء إن اختيار المرشح الفلانى للجماعة الفلانية هو المرشح الإسلامى الوحيد الواجب أن يختاره الناس فإنه يكون قد أوجب على الناس ما لم يوجبه الله تعالى، هذا الواجب من وجهة نظره هو ولا يلزم الآخرين الذين قد يرون الواجب فى اختيار مرشح آخر، ومن ثم فالخطر هنا أن الدعاة الذين يوجبون على الخلق واجبات لم يفرضها عليهم الله سبحانه وتعالى ولا رسوله قد نصبوا أنفسهم من حيث لا يدرون هيئات فوق الخلق والبشر.
الألفاظ والتخريجات الأصولية لا يمكن أن تنضبط فى محافل ومهرجانات حزبية ينتصب فيها الدعاة لينصروا مرشحا لجماعة معينة، ومن ثم فقد يخرج من الدعاة ألفاظ أو اجتهادات أو أحكام يدفعهم إليها حماس اللحظة الحاضرة، حيث يهتف الجماهير وتلتهب المشاعر، وهذا ليس مقام تخريج أحكام أو فتاوى للعلماء، كما أن هذا المكان وتلك المنصات وهذا الزحام ليس هو المكان المناسب للعلماء والدعاة الذين يتحولون إلى مجرد أداة للحشد الانتخابى من أجل مرشح معين.
من هنا نقول بوضوح إن الدعاة والعلماء والهيئات الشرعية عليها أن تحتفظ بمقامها بعيدا عن العمل الحزبى، فالعمل الحزبى هو محض عمل سياسى تتصارع وتتنافس فيه قوى اجتماعية وسياسية لإنجاح مرشحها، حتى لو كان الإسلاميون أنفسهم، طالما أن تلك الهيئات العلمائية والشرعية لم تستطع أن تتوافر على مرشح واحد إسلامى تلزم به هؤلاء المرشحين.
الآن ننتقل من إظهار عورات أداء السياسيين الإسلاميين إلى إظهار عورات الدعاة الإسلاميين الذين زاحموا السياسيين فى الأعمال الحزبية، لا.. ليقف الدعاة حيث مكانهم وليتبعدوا عن العمل الحزبى والمزاحمة فيه فليس هذا شأنهم ولا مكانهم.