الكلام عن «مصطفى الحسينى» الذى رحل عن دنيانا مؤخرا فى عمود صحفى هو نوع من الاختزال المخل، بل يمكن اعتباره خطأ أخلاقيا «نسمح لأنفسنا باقترافه لأننا لا نملك فى الصحافة المصرية سوى هذه المساحة المخصصة لنا» لأن «مصطفى الحسينى» له تاريخه النضالى كصحفى مناضل عظيم وككاتب كبير وكصحفى عبقرى وكرائد حقيقى من رواد الصحافة العربية.
تعرفت على «الأستاذ» عام 77 فى بيروت واستمرت صداقتنا طوال مدة الحرب الأهلية فى لبنان، مع أنه كثيرا ما كان يختلف فى بعض الأمور مع الختيار «ياسر عرفات» إلا أن الزعيم الفلسطينى الكبير كان يستقبله فى بشاشة ومودة، وكان يكن له احتراما بالغا، لأنه لم يمد له يده فى مرة واحدة طالبا بعض الليرات اللبنانية أو الدولارات الأمريكية باسم «النضال» كما كان يفعل بعض الصحفيين الذين كانوا يتسولون من عرفات ومن غيره من الرؤساء العرب ليؤسسوا فى مصر صحفهم الخاصة «الأسبوعية» أو اليومية.
كانت هذه السنوات الصعبة مليئة بالمتناقضات والمتسولين باسم النضال وكان «مصطفى الحسينى» محافظا على كبريائه وشرفه ولم يأكل لقمة واحدة لم يدفع ثمنها من عمله، وعمله وحده حيث كان أحد أهم مؤسسى كبريات الصحف العربية فى بيروت عاصمة الإعلام العربى فى هذه السنوات الصعبة مثل صحيفة «السفير» اللبنانية، وقد استحق بحق لقب «الوجه المصرى للشرف» الذى أطلقه عليه الزعيم الفلسطينى بنفسه.
فى سنة 78 كنت فى الوفد الإعلامى المرافق للزعيم ياسر عرفات أثناء زيارته للاتحاد السوفيتى فى طريقه إلى كوبا ليرأس افتتاح مهرجان الشباب العالمى فى هافانا، وكنا نحن فى الوفد الإعلامى نقيم فى مدينة باتريس لومومبا الجامعية، وكان معنا الدكتور «شوقى العمرى» وهو شقيق «فخرى العمرى أبومحمد» مخطط ومنفذ عملية «ميونيخ» وكان شوقى على خلاف دائم مع السوفيت ومعارضتهم فى كتاباته وفوجئنا بالميليشيا «الأمن» السوفيتية تلقى القبض على شوقى، وأبلغ المناضل «ماجد أبوشرار» الزعيم عرفات وأصابنا الهلع جميعا على الدكتور شوقى العمرى، الذى رأيناه فى الليلة التالية يدخل علينا مع مصطفى الحسينى، الذى كان ضيفا على صديقه «يورى أجارشيف» رئيس تحرير صحيفة «كومسمولكايا برافدا» للشباب وعرفنا أن الإفراج عن شوقى العمرى تم بعد تدخل مصطفى الحسينى عن طريق يورى أجارشيف.
وبعد عملية «كمال عدوان» الفدائية التى قادتها «دلال المغربى» والتى استخدمت فيها الزوارق المطاطية لأول مرة فى تاريخ العمليات الفدائية فى الأرض المحتلة وكان المرحوم «فهمى حسين» أحد مؤسسى وكالة الأنباء الفلسطينية وهو من نفس المدرسة الصحفية «روزا اليوسف»، التى نشأ فيها «مصطفى الحسينى» كان فهمى حسين هو صاحب اقتراح تصوير العملية الفدائية التى خطط لها «أبوجهاد» فى القطاع الغربى، حتى لا تنسب أى منظمة أخرى غير «فتح» العملية لنفسها، وبالفعل تم تصوير الفدائيين وتصوير الزوارق المطاطية التى قيل يومها أنها مصرية، وكان الجنود المصريون يستخدمونها فى عبور القناة إبان حرب الاستنزاف حتى لا تكشفها أجهزة الرادار الإسرائيلية.
وبعد يومين من عملية كمال عدوان الفدائية قابلت مصطفى الحسينى فى مبنى الفاكهانى حيث مكتب الزعيم الفلسطينى وصحبنى فاروق القاضى معه لتهنئة أبوعمار بهذه العملية الفدائية الفذة التى قتل فيها 37 إسرائيليا، واستشهد فيها 11 فدائيا ينتمون لفتح، وكان مصطفى الحسينى يجلس مع الزعيم الفلسطينى والكاميرا السينمائية «35 مللى» التى تم تصوير العملية الفدائية بها موضوعة إلى جوار مكتب عرفات وإذا بمصطفى الحسينى يقترح على الزعيم الفلسطينى إهداء هذه الكاميرا التاريخية للشعب المصرى، ولم يتردد عرفات فى الموافقة، وبالفعل حمل «فهمى حسين» الكاميرا فى زيارته لمصر وسلمها للمناضل الكبير «خالد محيى الدين» فى حزب التجمع الذى كان اسمه «منبر التجمع» أيام المنابر التى اخترعها السادات، ولا أعرف هل ما زالت هذه الكاميرا موجودة أم تلاشت مع كل الأشياء التى تلاشت فى حزب التجمع أم لا؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصر
رحمه الله عليه