مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يبدو الأمر طبيعيا أن تعلن وزارة الداخلية عن ضبط 104 صواريخ مضادة للطائرات و40 مفجرا وعشرات الصناديق من البنادق الآلية بحوزة سائق مجهول من بورسعيد دون إعلان واضح عن الجهة التى تقوم بعمليات التهريب، ودون تفسير بالمعلومات للأطراف التى تقوم بعمليات نقل هذه الترسانة من الأسلحة إلى داخل مصر يوميا، أنت تعرف أنه لا يمر أسبوع واحد إلا وتعلن الداخلية عن ترسانة جديدة بهذا الحجم، وعادة ما تضم بيانات الوزارة معلومات عن مدافع «آر بى جى»، وصواريخ مضادة للمدرعات، وبنادق قناصة، وأسلحة آلية، وألغام حربية حديثة الصنع، وأسلحة مضادة للطائرات والدبابات، وأحيانا مدرعات حربية بالكامل وكأن جيشا حديثا يتم إعداده بالسلاح والعتاد والذخيرة فى مصر.
الداخلية تفرح بهذه الاكتشافات دون شك، وتلقى بالخبر فورا إلى الصحف، ثم تترك التخمينات تدور فى الكواليس، لنتوه نحن فى الأسئلة، هل هى أسلحة لتجار المخدرات؟ هل هى لجماعات إرهابية؟ هل هى أسلحة فى طريقها إلى غزة لدعم المقاومة؟ أم هل هذه الترسانات موجهة للقبائل والعائلات التى تتحصن بالأسلحة عادة تحسبا لعمليات الثأر أو دفاعا عن ممتلكات خاصة؟ وهل تستحق الممتلكات الخاصة صواريخ مضادة للمدرعات للدفاع عنها؟ أم هل الأسلحة تتوجه لجماعات بعينها تتأهب لما هو أسوأ وأخطر فى مصر؟
كل التخمينات والمخاوف تلعب بعقول الناس، فيما تكتفى وزارة الداخلية بإعلان الخبر على نحو روتينى بلا تفاصيل عن هوية المتهمين، أو عن خلفياتهم السياسية، أو عن خلفية هذه الضبطيات، وتعرف الوزارة ويعرف رجالها بالطبع أن ما يتم الكشف عنه لا يمثل حسب تقديرات خبراء أمنيين ما بين «10 إلى %20» من الحجم الفعلى لعمليات التهريب، أى أن كل هذه الترسانات المضبوطة ليست سوى «أقل من ربع» ما يدخل فعليا إلى البلاد، فإلى أى مدى نسيطر على أوضاعنا الأمنية؟ وهل يقتصر دور الوزارة على كشف هذه الضبطيات دون تحقيقات لاحقة، ودون دراسة لمخاطر هذا الوجود العسكرى المجهول على أرض مصر؟
الداخلية يجب أن تعلن عن مقارنة حقيقية بين حجم ما يتم ضبطه وبين حجم الأسلحة التى دخلت بالفعل، والداخلية يجب أن تكشف عن طبيعة المتهمين بالتهريب، وهوياتهم السياسية أو الجنائية أو العائلية، حتى لا يدخل الناس فى دوامة الخوف مرة أخرى، فيظن جناح سياسى أن هذه الأسلحة تستهدفه فيهرول إلى شراء ترسانة مضادة، أو تظن عائلة من العائلات أن خصومها يدعمون قواتهم بالذخيرة، أو تظن طائفة دينية أو فصيل عقائدى معين، أو مجموعة من تجار المخدرات، مثلا، أن عليهم الدخول فى سباق التسلح الجارى فى مصر، واستثمار الفوضى عند بعض المناطق الحدودية فى تعزيز قدراتهم الدفاعية فى مواجهة أسلحة الداخلية أو مواجهة أسلحة الجيش لاحقا لا قدر الله.
سباق التسلح فى مصر الآن لا ينبغى أن يصبح خبرا عاديا يفتخر به ضباط المباحث الجنائية فى محافظة من المحافظات، أو يتباهى به قيادات الوزارة لقدرتهم على ضبط شحنة من عشرات الشحنات المهربة، شكرا لكم بأى حال، ولكن المسألة أعقد كثيرا من تبادل التهانى بضبطية سلاح، فسباق التسلح كله يجب أن يتحول إلى القضية الأولى فى مصر، قانونيا واجتماعيا وسياسيا، قبل أن يأتى وقت يعلو فيه السلاح على القانون وعلى المجتمع وعلى السياسة.
مصر من وراء القصد.
مشاركة