جوارديولا هو المدرب الشاب الحالى لفريق برشلونة الإسبانى، الذى أعلن مؤخرا عن رفضه الاستمرار مدربا للفريق الأول، وذلك بعد إنجازات غير مسبوقة مع الفريق خلال أربعة أعوام، حيث فاز خلال الفريق بثلاث عشرة بطولة محلية وقارية، مع العلم بأن هذا العدد مرشح للازدياد إلى أربعة عشر، نهاية هذا الشهر.. قطعا ليس هذا المقال لتحليل أداء جوارديولا وفريقه، ولكن هو فقط لمحاولة استخراج دروس وعبر أراها ماثلة فى حالة جوارديولا، ربما لو طبقناها على واقعنا السياسى والاجتماعى لتغيرت أمور كثيرة للأفضل..
فجوارديولا عندما تولى تدريب الفريق العملاق كان ابن السابعة والثلاثين ربيعا فقط، وهو عمر الكثير من اللعبين حاليا، وهنا الدرس الأول وهو إعطاء الفرصة للشباب لتولى المناصب الكبرى، مما يسمح بالإبداع وتجديد الدماء الفكرية، مما يطور الأمور نحو الأمام، وهو ما تحقق من خلال المدرب الشاب الذى أثبت أن الشباب يملكون من القدرات والمؤهلات الكبرى لتولى سدة الأمور، الدرس الآخر نجده فى عدم وجود امتعاض من رموز النادى الكتالونى الكبيرة سنا ومقاما، عند تولى الفتى الشاب مهمة الرجل الأول بل وجدنا كل الدعم منهم، سواء كان دعما معنويا أو ماديا، مما أثرى فكرة المدرب الشاب وأعطاه ثقة بالنفس كبيرة وشعورا بالمساندة وغياب فلسفة الحسد وعداوة النجاح. والحق يقال إن هذا هو أحد الأنماط الثقافية فى الغرب، فكثير من القادة والسياسيين الحاليين والسابقين فى أوروبا وأمريكا فى سن الأربعين أو منتصف الخمسين كحد أقصى، ولنا فى أوباما وكاميرون وثاباتيروا ومليباند الصغير وغيرهم مثال، فتخيلوا معى لو حدث هذا فى مصر لقيل ما هذا الصغير الذى جئتوا به مدربا للمنتخب أو النادى الأهلى، ماذا يملك من خبرات ومؤهلات ومن هذا الذى جئتوا به وزيرا وهو ابن الثلاثينيات، فى كل تلك الأمور إننا نعانى من إشكالية ثقافية فى مسألة تولى المناصب للشباب تحتاج إلى تغيير جوهرى وشجاعة فى المواجهة، أيضا يتطلب الأمر وجود مجموعة من الشباب المالكين للقدرات العقلية والفكرية الأدائية لهم من شجاعة المواجهة والمطالبة بأخذ الفرصة فى المشاركة، وأشيد هنا مثلا بالمرشح الرئاسى خالد على، الذى قد أختلف معه فكريا كثيرا ولكن أحييه على الموقف الشجاع من الترشح للانتخابات الرئاسية.
وبالعودة إلى صديقنا جوارديولا فإنه أعطانا درسا آخر مؤخرا، وذلك بإعلانه الاعتذار عن تجديد عقده مع الفريق الكتالونى قائلا: إنه يحتاج للراحة وأيضا لم يعد يملك المزيد لكى يقدمه، وفى هذا المشهد درسان رئيسيان الأول هو فلسفة الاستمتاع بالحياة، فمهما كنت تملك من قوة جسدية وعقلية الآن الطبيعة البشرية دائما ما تحتاج إلى الراحة والاستمتاع بالحياة والتغيير، فالإنسان ليس آلة تعمل دون انقطاع، الدرس الثانى يكمن فى فلسفة التغيير والإيمان بأن دوام الحال من المحال، وأن أى إنسان مهما كان مبدعا وخلاقا فى منصبه إلا أنه عند لحظات معينة لا يمكنه إضافة جديد فى مكانه، وهو ما يستلزم مغادرة هذا المكان إيثارا للمصلحة العامة وحفاظا على قوة المجموعة، وعن هذين الأمرين، فحدث عنهم ولا حرج فى مصر طبعا فى الاتجاه المعاكس، ففى مصر كل قائد أو رئيس أو وزير يحب البقاء فى منصبه مدى الحياة، ويؤمن بأنه قادر على مواكبة كل جديد بل وابتكار الجديد ويتساوى هنا أبناء السلطة مع أبناء المعارضة، كل الدروس الجوارديوليا السابقة تكشف عن حاجتنا إلى تثوير ثقافى لتغيير بعض من المفاهيم التى ولدت جراء نظام فاسد وتعليم متخلف عانينا ونعانى منه الأمرين، ولكن ما زال يملأنى الأمر بغد أفضل وبثورة تريد اقتلاع كل فاسد وقاتل وبشباب عندهم الأمل والعزيمة وكبار يملكون من عمق التجربة والرغبة فى المساعدة والتغيير ما هو أكبر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة