إبراهيم داود

وردة

الإثنين، 21 مايو 2012 08:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجاور العلمين (المصرى والجزائرى) على جثمان وردة، وحالة الشجن والحزن التى حطت على الواحد وهو يتابع ما يحدث فى البلدين، والإحساس بفقدان معنى كبير آخر، جعل رحيلها أكبر من مجرد توديع عزيز، صوتها تسلل إلى وجداننا بسهولة ويسر، أيام كان صوت مصر جميلاً وعريضاً، وكان الغناء أسلوب حياة وطريقة للحشد، وردة جزائرية مصرية لبنانية، انتخبتها القاهرة لتكون شيئاً أكبر (من العلاقات التاريخية بين البلدين)، صوتها القوى الحنون قادر على المشى معك فى كل الأحوال، صوت يجمع بين خصائص الصوت الجبلى والريفى، ناصع فى جواباته، دافئ فى قراراته، يجلس خلفه قلب معذب ولكنه يستجدى الفرح، هى علامة من علامات الغناء المصرى، لأنها عبرت عن معظم مدارس التلحين، نجحت فى التعبير عن رصانة السنباطى اللحنية، ورقة وعمق عبدالوهاب، وواصلت المسيرة مع تنوع جيل الموجى والطويل، وفيما بعد مع حلمى بكر وعمار الشريعى وصلاح الشرنوبى، ولكن مشروعها مع بليغ حمدى هو موضوعها الأهم، لأن بليغ عرف تضاريس الصوت والقلب، هو لا يريد أعلى نقطة فيه كما فعل السنباطى فى لعبة الأيام، ولا يريده يمشى على شريطى قطار كما أراد الآخرون، هو أراد استثمار الجانب الفطرى منه، الجانب الذى ينهل من الطفولة، الفطرة التى تسمح لك أن تغنى على راحتك معها، فى «يا نخلتين فى العلالى» مثلاً، أنت أمام أغنية فرح، تغنى فى الأفراح، مبنية على لحن يشبه العديد، يتوسل الصوت المغنى أهل الفرح لكى يفرحوا «يا أم العروسة افرحى يا أم العروسة»، بليغ كان يعرف الناس ويعرف وردة، ويعرف أن الحنين والغربة والفقد ونكران الجميل موضوعات المصريين المحببة فى الغناء، الغناء الذين يواسون أنفسهم به، لكى يقاوموا الزمن، ويتخلصوا من التربة التى يخلفها الفقر والاستبداد على القلب، وردة مع سيد مكاوى موضوع آخر، أنت أمام منطقة تلعب فيها البداهة دور البطولة، ستستدعى معك تراث المشايخ مصبوغا بخفة ظل حريفة وحداثة غامضة، لها أغنيات دينية رائعة ظلمت مع الكثير من أغنياتها الوطنية لأسباب لها علاقة بضيق أفق القائمين على إذاعة الأغنيات، وردة هى وردة العرب وقرة عين الغناء الخام، ربطها المتحذلقون فى السبعينيات بمرحلة الافتاح الاقتصادى دون أن يسألوا لماذا يحبها الناس؟ هؤلاء أنفسهم لن يجدوا أفضل من «على الربابة باغنى» عندما يتم استدعاء نصر أكتوبر العظيم، جمهور وردة طوال الوقت شاب، لأن صوتها عابر للأجيال، وظلت فى حالة غناء إلى أن اختارها خالقها إلى جواره، شعر المصريون والجزائريون دون غيرهما أن شيئاً كبيراً كان يجمعهما لم يعد موجوداً، ولكن مشهد الجثمان المغطى بعلم البلدين والحزن الحقيقى الصادق، ربما ينهى إلى الأبد الجلطات التى تسبب فيها السياسيون وورطونا جميعاً فيها، وردة الجزائرية صوت عظيم حمل أشواقا عظيمة، وغيابه يعنى ألما إضافيا، أكدته الفضائيات السعودية، التى تجاهلت رحيلها تماماً.

يفترض أننا اليوم فى حالة صمت انتخابى، ولكننا علينا أن نبحث معاً عن رئيس يحب الغناء ولا يتعالى عليه، رئيس يعرف أنه «ديوان حياة المصريين» الباقى، وأنه بدونه وبدون الموسيقى والارتجال وفتح شبابيك الخيال على مصراعيها، ستكون الحياة كئيبة ومقبضة، رئيس لا يعتبر الكلام فى الفن يقلل من هيبته وجماهيريته، رئيس يتصدى لمحاولات الحصار المفروض على الصوت المصرى فى فن تلاوة القرآن والغناء، رئيس يبحث فى الوطن العربى عن صور جديدة لوردة وفايزة أحمد وصباح وسعاد محمد ونور الهدى ونجاح سلام وغيرهن، من الذين زرعوا بأصواتهم بساتين محبة داخل وجدان المصريين، نريد رئيساً يمتلك أذنا موسيقية لكى نتفاهم معه.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة